أعجبتني هذه المرثية التي قالها أحد شعراء القرن الخامس الهجري .
والعجيب أن الشاعر والمرثي والبلدة التي مات فيها ، كل هذه الأسماء ليس لها اي نصيب من الشهرة ، فالشاعر ( أبو الحسن علي بن محمد الغزنوي ) والمرثي الذي قيلت فيه القصيدة هو ( وجيه بن أحمد ) والبلدة اسمها ( دينور ) وهي قرية في بلاد فارس .
لكن يبدو أن المرثي له منزلة خاصة ومحبة عظيمة لدى الشاعر مما جعله يُضفي عليه من الصفات أحمدها ، و ينسب له من الخصال أنبلها ، لدرجة أنه شبّه الموت بسائل أتاه ، وكان لا يرد سائلاً ، فأعطاه روحه لما طلبها ، وهذا قمة في الثناء بالجود والكرم .
أتى نبأٌ من نحو ( دينور ) مصعدا = أقام جميع السامعين وأقعدا
وأورث أحناء القلوب تملمُلا = وأودع أحشاء الضلوع توقُّدا
وذوّب من بحر المدامع جامداً =وجرّد من سيف الكآبة مغمدا
وغادر وجه الفضل والنبل أغبرا = وطرْف الحجى والعقل واللبّ أرمدا
وأبقى أساه كل دمعٍ مهلهلا = و ابقى بكاه كل خدٍّ مخدّدا
فعاد به شمل الهموم مجمّعا = وعاد به شمل السرور مبدَّدا
ففي كل دارٍ منه نَوْحٌ ورنّةٌ = وفي كل قلبٍ منه كَلْمٌ تجدّدا
بأنّ الردى أنحى على المجد والعلى = وأوْدَى بحزم العلم والحلم والندى
بمن كان للإحسان والفضل مألفا = ومن كان للإنعام والطَّوْل معهدا
فوَيْح الردى كيف انبرَى دفعةً له = وكان به من قبل يُسْتدفَع الردى
عساه أتاه في معارض سائل = فراوده عن روحه باسطاً يدا
فماردّه لمّا اجتداه تكرُّماً = وكان قديما لا يردّ من اجتدى
عفاءٌ على دهرٍ عفا رسم مجده = فغادر شلو المكرمات مقدّدا
وأنف المعالي والكمال مجدّعا = ووجه المساعي والفعال مسوّدا
لقد كان حقّاً غرّةً في جبينه = فعاد بهيماً بعد أكلف أربدا
سلامٌ عليه فائضٌ بركاته = من الله والرضوان مثنَى وموحدا
ولازال ريحان الجنان وروحها = يصافحه في كل ممسَى ومُغْتدَى