وذكر بعض الرواة قال: كان للربيع بن بدر كلبٌ قد ربَّاه فلّما مات الربيع ودُفن جعل الكلب يضرب على قبره حتى مات.
وكان للعامر بن عنترة كلابُ صيدٍ وماشية وكان يحسنُ صُحبتها، فلما مات عامر لزمت الكلاب قبره حتى ماتت عنده، وتفرّق عنه الأهل والأقارب ،,
وروى لنا عن شريك قال: كان للأعمشِ كلبٌ يتبعه في الطريق إذا مشى حتى يرجع فقيل له في ذلك فقال رأيتُ صبيانا يضربونه ففرقت بينهم وبينه، فعرف ذلك لي فشكره، فإذا رآني يبصبصُ لي ويتبعني،,
ولو عاش ..أيَّدك الله .. الأعمش إلى عصرنا ووقتنا هذا حتى يرى أهل زماننا هذا ويسمع خبر أبي سماعة المعيطي ونظائره، لازداد في كلبه رغبةً ومحبة،,
قال: هجا أبو سماعة المعيطي خالد بن مالك، وكان إليه محسناً فلّما ولِيَ يحيى الوزارة دخل إليه أبو سماعة فيمن دخل من المهنئين فقال: أنشدني الأبيات التي قلتها فقال ما هي، قال قولك:
زرت يحيى وخالدا مخلصا لله ... ديني فاستصغر بعض شاني
فلَوَ اَني ألحدتُ في الله يوماً ... أولَوِ اَنِّي عبدتُ ما يعبدانِ
ما استخفَّا فيما أظن بشأني ... ولأصبحتُ منهما بمَكاني
إنَّ شكلي وشكلُ مَن جَحد الله ... وآيـــــاتِهِ لمختلفان
قال أبو سماعة لم أعرف هذا الشعر ولا مَن قاله قال له يحيى ما تملك صدقة إن كنت تعرف من قالها فحلف فقال يحيى وامرأتك طالق فحلف فأقبل يحيى على الغساني ومنصور بن زياد والأشعثي ومحمد بن محمد العبدي، وكانوا حضوراً في المجلس فقال ما أحسبنا إلا وقد احتجنا إلى أن نجدِّد لأبي سماعة منزلا وآلة وحرماً ومتاعاً، يا غلام ادفع له عشرةَ آلافِ درهم، وتختا فيه عشرة أثواب فدفع إليه، فلما خرج تلقَّتهُ أصحابه يهنئونه ويسألونه عن أمره فقال: ما عسيتُ أن أقول إلا أنه ابن زانية أبى إلاّ كرماً، فبلَّغت يحيى كلمته من ساعته، فأمر به فحضر فقال له يا أبا سماعة لِمَ تغرقُ في هجائنا ولم تَغرف في شتمنا، قال له أبو سماعة: ما عرفته أيها الوزير افتراء وكذب عليّ، فنظر إلى يحيى مليا ثمّ أنشأ يقول:
إذا ما المرءُ لم يُخدش بطفرٍ ... ولم يُوجد له أن عضَّ نابُ
رمى فيه الغميزة مَن بغاها ... وذلَّلَ من قرائنه الصعابُ
قال أبو سماعة كلا أيها الوزير ولكنه كما قال:
لم يبلغ المجد أقوامٌ وإن شَرفوا ... حتى يذلُّوا وإن عزوا لأقوامِ
ويُشتَموا فَترى الألوان مسفرة ... لا صفحَ ذلٍّ ولكن صفحَ أحلامِ
فبسم يحيى وقال إنَّا عذرناك وعلمنا أنك لن تدع مساوي شتمك ولؤم طبعك فلا أعدمك الله ما جبلك عليه من مذموم أخلاقك ثم تمثل قائلا:
متى لم تتسع أخلاق قوم ... يضق بهم الفسيح من البلادِ
إذا ما المرء لم يُخلق لبيبا ... فليس اللبُّّ عن قدمِ الولادِ
ثم قال هو والله كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: المؤمن لا يشفي غيظه،,
ثم أن أبا سماعة هجا بعد ذلك سليمان بن أبي جعفر وكان إليه محسنا فأمر به الرشيد فحلق رأسه ولحيته ومثلُ أبي سماعة كثير كرهنا أن نطول الكتاب بِذكرِهم وروي عن بعضهم أنه قال: الناس في هذا الزمان خنازير فإذا رأيتم كلبا فتمسكوا به فإنه خير من أناس هذا الزمان.
قال الشاعر:
اشدُد يديك بكلبٍ إن ظفرتَ بهِ ... فأكثرُ الناس قد صاروا خنازيرا
أنشدني أبو العباس الأزدي:
لكلبُ الناسِ إن فكَّرت فيهم ... أضرُّ عليك من كلب الكلابِ
لأنَّ الكلبَ تخسؤه فيخسا ... وكلبُ الناس يربضُ للعتابِ
وأنَّ الكلب لا يؤذي جليسا ... وأنتَ الدهرُ من ذا في عذابِ