هم يحسدوني على موتي ...
رحل (ابودعيج) عن دنيانا الفانية وفي قلبه امل لم يتحقق , وهذا الامل الذي لم يتحقق (لابي دعيج) كان شغله الشاغل خاصة في اخريات ايامه حيث انفلت زمام احتماله وصبره ولم يعد بمقدوره الاحتفاظ بهذا الامل دفينا بين ضلوعه كما كان يفعل في سابق ايامه وراح يوزع شتائمه يمنة ويسرة ويصب جام غضبه على من كان يعتقد انهم السبب في محنته والحالة التي انتهى اليها يتساوى في ذلك القريب اوالبعيد الذي لا تربطه به ادنى رابطة وبسبب هذا المزاج النفسي الحاد وطريقة تعامله مع الاخرين والاحكام المسبقة التي يتخذها من هؤلاء , وجد نفسه وحيدا في داره المتواضعة التي ابتناها لنفسه من عرق جبينه عندما كان قادرا على العمل لا يزوره احد , ولا هو راغب في زيارة مخلوق , وكان يجد في وحدته عزاءه من غدر الناس ومصاحبة الاشرار كما يحب ان يردد على مسمع من الجميع عندما تضطره الحاجة للخروج من الدار ومخالطة الناس وباستثناء فترات النوم القصيرة التي يختلسها خلال الاربع والعشرين ساعة فان الصوت الوحيد الذي يستطيع المار من جوار الدار ان يسمعه هو صوت (المسجل) الذي اتخذه (ابودعيج) شريكا لحياته ومعينا له على وحدته وهو يردد ذلك الصوت الخليجي الذي لا يتغير وكانه قدره الذي كتب عليه ان يسمعه دون ان يتسرب الملل الى نفسه والذي يقول احد مقاطعه : هم يحسدوني على موتي , فوا اسفا .. حتى على الموت لااخلو من الحسد ..
ولكن قبل معرفة اللغز او السر الذي يكمن وراء ولع (ابودعيج)بهذا الصوت او بالاحرىبذلك المقطع منه .. دعونا نتعرف على شخصيته .. (ابودعيج) او النوخذا ابودعيج كان في يوم من الايام من الشخصيات المرهوبة بين جماعته وكان يشار اليه بالبنان عندما كانت كلمته لا تنزل الارض كما يقال وكان ذلك عصرا ذهبيا بالنسبة له اما اليوم فان ابادعيج وجيله من (النواخذه)والعصر الذي طبع حياتهم او طبعوه بحضورهم المؤثر والفاعل قد تحول لمجرد ذكرى و ومضة تلوح من بعيد لجيل من الآباء كانت الرجولة وحياة الشظف وسهر الليالي ومصارعة اهوال البحر في سبيل لقمة العيش الشريفة سمات بارزة لحياة ذلك المجتمع ومقياسا حقيقيا للرجولة والكرامة ومعنى ان تكون رجلا في مجتمع لا مكان فيه للمترددين وطلاب الحياة الرخيصة ..
(والنوخذا) بلهجة سكان منطقة الخليج العربي وشرق المملكة تعني رئيس حملة الغوص لاستخراج اللؤلؤ من اعماق البحار وهي كلمة فارسية على ما اظن ..
في هذه البيئة القاسية كان (ابو دعيج) شخصية يحسب لها الف حساب وكان تحت يده مركب او (لنش) يتجمع فوقها اكثر من خمسين بحارا وتتجه في فصول معينة من السنة الى المحيط الهندي من نقطة انطلاقها (البحرين) وفي وقت متأخر من (الخبر ) لاستخراج اللؤلؤ من اعماق البحر بوسائل بدائية بالقياس لامكانات هذا العصر وقد تمتد الرحلة اشهرا دون ان تعود الحملة الى نقطة انطلاقها و قد لا يعود جميع الطاقم الذي ابحر عليها اذ غالبا ما يهلك البعض غرقا او لاسباب اخرى مرضية .. ولما بدأت اليابان بتصنيع اللؤلؤ تقهقر هذا النشاط البحري بالنسبة لسكان الخليج العربي وتلاشى تماما بعد استخراج النفط بكميات تجارية ومع هذا وذاك طوى الزمن صفحة مجيدة لجيل من الرجال الاشداء كان ابو دعيج واحدا من رواده وكان ذلك عصرا ذهبيا بالنسبة لابي دعيج خاصة لما رأى بام عينه رجاله الذين خلق منهم ( نواخذه ) وخصوما ألداء لاهوال البحر ومفاجآت اعماقه المظلمة ينخرطون في النشاطات الاقتصادية الجديدة ويتسلقون السلم الاجتماعي بخطى حثيثة حيث بقي هو كما كان مجرد نوخذا سابق قد يأتي اسمه عرضا عندما يدار الحديث في السمر الليلي بين جماعته عن حياة البحر السابقة ومتاعب هذه الحياة وقسوتها ..
وللحديث بقية
منقول من موروث كتابي خاص