هو أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي (الذي عاش بين 915 إلى 965م) والذي يعتبر من أشهر وأعظم شعراء العربية. أثّر على الشعر العربي على مدى العصور واُقتبس على نحو واسع وأشعاره تستعمل شعبياً كحكم وأمثال.
الدكتور طه حسين واحد من أكبر نقاد التاريخ الأدبي العربي في النصف الأول من القرن العشرين علّق في كتابه "مع المتنبي" بأن قراءة ديوان المتنبي تعطي الإنطباع بأنه مكتئب ضحك مرة واحدة فقط في حياته. لقد استعملت معاير تشخّيص مرض الإكتئاب لمسح وتقييم أشعار ديوان المتنبي. لقد برهن هذا المسح مقترح الأستاذ طه حسين بأن المتنبي قد عانى من جمع كبير من الأعراض الإكتئابية خلال سنوات حياته.
المقدمة
أبو الطيب المتنبي هو شاعر العرب الكبير الذي عاش في القرن العاشر الميلادي والذي كان ولا يزال "مالئ الدنيا وشاغل الناس". لقد عبر بشعره عن ما يختلج في نفس الإنسان العربي من أنف واعتزاز وحزن واكتئاب. ولا ينطبق هذا التعبير على زمن المتنبي فحسب بل تجاوز زمنه ليعبر عن ويتناجى مع اختلاجات النفس العربية في كل مكان وزمان وفي أفراحها وأتراحها. وإذا كانت القيمة العلاجية النفسية لشعر المتنبي موضوعاً جديراً بالبحث والتمحيص فإن من المهم أن ندرس في البدء خوالج نفس المتنبي نفسه وانعكاساتها على إنتاجه الشعري.
أن هناك دلائل متزايدة في بحوث الطب النفسي عن علاقة الإبداع الأدبي بالأمراض النفسية وخصوصا اضطرابات المزاج (Affective Disorders) (1). وبالإضافة الى أهمية هذه البحوث في فهم عملية الإبداع فأنها مهمة كذلك في توعية الجماهير ضد الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي من خلال إبراز كون العديد من المبدعين كانوا مصابين بالأمراض النفسية. لقد عاش المتنبي في زمن مضطرب من التاريخ العربي لا يقل اضطرابا عن زماننا هذا. كذلك مر هو شخصيا بأحداث حياتيه (Life Events) ومشاكل عاطفية جله –إنعكست في شعره- لابد وأن كان لها تأثير على مزاج المتنبي وصحته النفسية وكما نعرف اليوم من أبحاث الطب النفسي. في هذه الدراسة حاولت البحث ومن خلال شعر المتنبي عن العلامات السريرية للاضطرابات الاكتئابية في مختلف مراحل وأزمات حياته.
من هو المتنبي
هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي ولد في مدينه الكوفة (في العراق) في محله كنده سنه 303 هجريه [915م] (2). وعدا ديوان شعر المتنبي فأن ما هو معروف عن سيرة حياته فهو القليل المأخوذ عن روايات منقولة ومختلف فيها في كثير من الأحوال. والد المتنبي كان سقاءا ليس ذي صيت وشأن ووالدته توفيت في صباه ونعرف القليل عنهما إذ لم يتناولهما شعره. ويبدو أن المتنبي قد تربى على يد جدته بعد أن قضى فترة من طفولته في البادية. ولقد ذكر جدته في شعره مسميا إياها أما ونعرف عنها أنها من صلحاء النساء العربيات في الكوفة (2). ولقد رثاها المتنبي حين ماتت في غيابه بقصيده مشهورة مطلعها (3):
ألا لا أرى الأحداث مدحا ولا ذما فما بطشها جهلا ولا كفها حلما
لزم الوراقين وقرأ على أكابر العلماء الذين منهم الزجاج وأبا إسحاق والسراج وأبا بكر ونفطويه وأبن رستويه ولقد أهتم بأبي تمام والبحتري وبشار وأبي نواس كما قرأ الفلسفة والمنطق والتصوف (4). وقد كان واسع الإطلاع بالعربية شعراً ونثرا (لا يسأل عن شيء إلا وأستشهد له من كلام العرب)(5).
عاش طفولته في زمن مضطرب في نهاية الخلافة العباسية (6). وقد صلب الحلاج بعد أن عذب بسبب اعتقاده الصوفي عندما كان المتنبي طفلاً في السادسة من العمر. وشغلت العباسيين فتن الخوارج والزنج والقرامطة. فقد قتل الخليفة المعتضد في بغداد سنة 320 هج وكان قد خلع قبل قتله مرتين. ويستولي البويهيون على بغداد عام 334هـ ويستولي الأخشيديون على حكم مصر عام 323هـ كما يؤسس الحمدانيون دولتهم في شمال الشام بعد صراع مع الإخشيديين.
وإذا كان المتنبي قد عاش فترة انهيار الحضارة العربية الإسلامية فقد جعله ذلك يسعى لإنقاذ روح هذه الحضارة ومن خلال شعره (4). لقد هاجم القرامطة الكوفة عام 312 هـ/927 م مما جعل عائلته تنتقل إلى بلدة السماوة هرباً حيث عاش سنتين قبل رجوعه إلى الكوفة عام 315هج ولم يبق طويلاً إذ توجه إلى بغداد في عام 316هـ (928م) ومنها إلى اللاذقية ومنها الى مختلف مدن الشام. أعتقل وأودع السجن في العام 322هـ [934م] حين أتهم بإدعاء النبوة بسبب أبيات قالها ثم أطلق سراحه أثر تدخل أحد الأمراء. تزوج في العام 329هـ[940م] على الأرجح من شامية أنجب منها ولده الوحيد محسد. أستمر بالانتقال بين الشام ومصر إلى أن أستقر به المقام في حلب عند أميرها سيف الدولة الحمداني الذي جعله شاعره المفضل سجل مفاخر ومعارك هذا القائد العربي إلى أن أوقع الحاسدون بينه وبين سيف الدولة فسافر المتنبي وقلبه مليء بالأسى عام 346هـ[957م] إلى دمشق ثم إلى مصر حيث أتصل بحاكمها كافور الإخشيدي. ولما لم يجد عند كافور المكانة التي تليق به والتي وعد بها رحل هاربا من مصر إلى نجد ثم إلى الكوفة التي بلغها في 351هـ [962م].توجه بعد ذلك إلى بغداد ومنها سافر إلى بلاد فارس حيث وصل أرجان بشيراز في عام 354هـ [965م] حيث مدح عضد الدولة البويهي الذي أجزل العطاء اليه. توجه في نفس العام إلى بغداد ثم منها إلى الكوفة حيث قتل في الطريق إليها عند دير العاقول على يد أقارب رجل يدعى ضبة كان المتنبي قد هجاه. قتل مع المتنبي أبنه المحسد وكل من كان معه من خدم ومرافقين وتناثرت كتبه وأوراقه وبينها ديوان أبي تمام شاعر المتنبي المفضل. وقد رثاه الطبسي بقوله (5):
ما أرى الناس ثاني المتنبي أي ثانٍ يُرى لبكرِ الزمان
هو في شعره نبيٌ ولكن ظهرت معجزاته في المعاني
أدب ومكانة المتنبي
حظي شعر المتنبي باهتمام وقراءة وشرح لم يحظ به أي شاعر آخر لا في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ولا في أي عصر بعده. ولقد أقترح بعض نقاد الشعر القدماء بأن أجمل بيتا للشعر قالته العرب هو بيت المتنبي في الغزل:
لك يا منازل في القلوب منازل أقفرت أنت وهن منك أواهل
لكن مكانة المتنبي تبرز من خلال تعبيرة عن خوالج النفس العربية على مدى الأزمان بما جعله أكثر الشعراء شعبية (4). لقد جرى شعر المتنبي مجرى الأمثال الشعبية لما فيه من بلاغة وحكمه وفهم ومحاكاة للطبيعة الإنسانية (7). ومن بعض الأبيات التي جرت مجرى الأمثال:
-ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
-ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ
-والهجر أقتل لي مما أراقبه أنا الغريق فما خوفي من البللِ
-,إذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كاملُ
-إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ,إن أنت أكرمت اللئيم تمردا
-أعز مكان في الدنا سرج سابحٍ وخير جليس في الزمان كتابُ
-من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميتٍ إلامُ
-ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماءا الزلالا
-عيد باية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
-على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
-الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
-كريشة بمهب الريح ساقطة لا تستقر على حال من القلق
هل كان المتنبي مصاباً باضطراب الاكتئاب المتكرر
لقد أتفق كل من الأستاذ عباس محمود العقاد والأستاذ علي أدهم (2) وكذلك الدكتور طه حسين (8) بأن من يقرأ ديوان المتنبي يخيل إليه أنه لم يضحك في حياته سوى مرة واحدة وذلك في شبابه حين مر برجلين قتلا جرذا وأخذا يفتخران بضخامة جسمه حين قال:
لقد أصبح الجرذ المستغير أسير المنايا صريع العطب
رماه الكناني والعامري وتلاه للوجه فعل العرب
كما أن من أشهر قصائد المتنبي هي تلك التي وصف فيها مرضه وهو في مصر. ومع أن العديد من شراح المتنبي يظنون بأنه كان يصف مرض الحمى غير أن عميد الأدب العربي طه حسين قد أكد في كتابه "مع المتنبي" بأن المتنبي كان إنما يصف اكتئابه وليس الحمى حين قال (8):
وملني الفراش وكان جنبي يمل لقاءه في كل عام
قليل عائدي سقم فؤادي كثير حاسدي صعب مرامي
عليل الجسم ممتنع القيام شديد السكر من دون المدام
ويناقش المتنبي رأي الطبيب الذي كان يظن بأن علته جسمية فيقول:
يقول لي الطبيب أكلت شيئا وداؤك في شرابك والطعام
وما في طبه أني جواد أضر بجسمه طول الجمام
طرق البحث
ليس هناك رواية موثوقة ومفصلة عن سيرة حياة المتنبي والمصدر الوحيد الذي يمكن الوثوق به هو ديوان شعره (4). لذلك فقد أستخدمت شعر المتنبي الذي كتبه طيلة فترة بلوغه حتى مقتله عن عمر يناهز الواحدة والخمسين. وفي هذا الشعر تسجيل دقيق لمشاعر وخلجات نفس المتنبي خلال حياته ولقد أستخدمت هذا الشعر كبديل لكتب السيرة التي أستخدمها بوست في دراسته للأدباء الغربيين (1).
في هذا البحث قمت بجرد أبيات ديوان شعر المتنبي بحثا عن الأعراض الاكتئابية. ولقد استخدمت لهذا الغرض معايير أعراض مرض الاكتئاب الرئيسية في ملزمة الإحصاء والتشخيص الأمريكية-(إصدار 4 ) (DSM-IV) (9). ولكن وكما هو مفهوم فلم يمكن الالتزام بشرط الملزمة الأمريكية التي تستلزم وجود خمسة من هذه الأعراض على الأقل خلال فترة معينة (أسبوعين) لصعوبة تحديد زمان قول القصائد المختلفة بهذه الدقة.
نتائج البحث-أعراض الاكتئاب في شعر المتنبي
لقد تم البحث عن 7 من 9 أعراض اضطراب الاكتئاب الواردة في ملزمة الإحصاء والتشخيص الأمريكية-4 (DSM-IV) آنفة الذكر في قصائد ديوان المتنبي وكانت نتائج البحث كالآتي:
( 1) اكتئاب المزاج أو هبوط الاهتمام أو السرور أغلب اليوم، تقريبا يوميا.
-أوحدنني ووجدن حزنا واحداً متناهياً فجعلنه لي صاحبـا
أضمتني الدنيا فلما جأتــها مستسقياً مطرت علي مصائباً
-تلج دموعي بالجفون كأنمــا جفوني لعيني كل باكية خد
-ولقد بكيت على الشباب ولمتي مسودة ولماء وجهي رونقُ
-يضاحك في ذا العيد كل حبيبه حذائي وأبكي من أحب وأندب
-أما في هذه الدنيا كريـــم تزول به عن القلب الهموم
أما في هذه الدنيا مكـــان يسر بأهله الجـار المقيم
-الحزن يقلق والتجمل يـردع والدمع بينهما عصي طيعي
( 2) انحصار كبير للاهتمام والاستمتاع بكل شيء ، أو في كل النشاطات لأغلب اليوم، وكل يوم تقريبا.
-إلى كم ذا التخلف والتواني وكم هذا التمادي في التمادي
وشغل النفس في طلب المعاني ببيع الشعر في سوق الكسادِ
-ضاق صدري وطال في طلب الرزق قيامي وقل عنه قعودي
أبداً أقطع البلاد ونجمــي في نحوسٍ وهمتي في سعــودِ
-لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي شيئا تتيمه عين ولا جيــد
أ صخرة أنا مالي لا تحركــني هذي المدام ولا هذي الأغاريدُ
-هو الزمان مشت بالذي جمعـا في كل يوم ترى من صرفه بدعا
أن شئت مت أسفاً أوفأبق مضطربا قد حل ماكنت تخشاه وقد وقع
( 3) فقدان وزن أو كسب وزن بدرجة هامة ( مثلا لأكثر من 5% من وزن الجسم في الشهر )، عندما لا يكون هناك نظام غذائي متبع أو بنقص أو زيادة في الشّهية تقريبا يوميا.
-كفى بجسمي نحولاً أنني رجلٌ لولا مخاطبتي إياك لم تـرني
-شيب رأسي وذلتي ونحــولي ودموعي على هواك شهودي
-وخيال جسم لم يخل له الهوى لحماً فينخله السقام ولا دمــا
-وأني لأعشق من عشقكــم نحولي وكل امرأ ناحـــلُ
-مالي أكتم حباً قد برى جسدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم
( 4) أرق أو فرط النوم تقريبا يوميا.
-أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرقُ وجوى يزيد وعبرةٌ تترقرق
جهد الصبابة أن تكون كما أُرى عين مسهدة وقلب يخفق
-وملني الفراش وكان جنبي يمل لقاءه في كلِ عــامِ
-أرى العراق طويل الليل مذ نعيت فكيف ليل فتى الفتيان في حلبِ
فليت طالعة الشمسين غائبة وليت غائبة الشمسين لم تغبِ
-كأن سهاد الليل يعشق مقلتي فبينهما في كل هجر لنا وصلُ
-بعيدة ما بين الجفون كأنما عقدتم أعالي كل هدب بحاجب
-ليت الحبيب الهاجري هجر الكرى من غير جرم واصلي صلة الضنى
( 5) هياج أو تخلف في النشاط الحركي النفسي تقريبا يوميا ( يمكن ملاحظته من قبل الآخرين).
-مفرشي صهوة الحصان ولكن قميصي مسرودة من حديد
-ألفت ترحلي وجعلت أرضي قتودي والغريري الجلالا
فما حاولت في أرض مقاماً ولا أزمعت عن أرض رحيلا
على قلق كأن الريح تحتي أوجهها يميناً أو شمالا
-دعوتك لما براني البلاء وأوهن رجلي ثقل الحديد
وقد كان مشيهما في نعال فقد صار مشيهما في قيود
( 6) إعياء أو نفاذ الطاقة الجسمية يوميا تقريبا (تركت لعدم تطابقها مع أبيات الديوان).
( 7) مشاعر بفقدان الأهمية الشخصية أو مشاعر الذنب المفرطة وغير المستحقة بمعدل يومي تقريبا.
-فلو أني حسدت على نفيسٍ لجدت به لدى الجد العثور
ولكني حسدت على حياتي وما خير الحياة بلا سرور؟
-ألح علي السقم حتى الفته ومل طبيبي جانبي والعوائد
-كيف الرجاء من الخطوب تخلصا من بعد ما أنشبن فيَ مخالبا
-واني لمن قوم كأن نفوسهم بها أنفٌ أن تسكن اللحم والعظما
-والهجر أقتل لي مما أراقبه أنا الغريق فما خوفي من البلل
قد ذقت شدة أيامي ولذتها فما حصلت على صاب ولا عسل
-وهان فما أبالي بالرزايا لأني ما انتفعت بأن أبالي
( 8) انحصار المقدرة على التفكير أو التركيز، والتردد في اتخاذ القرار بمعدل يومي تقريبا (تركت لعدم تطابقها مع أبيات الديوان).
( 9) التفكير بالموت بصورة متكررة ( ليس فقط الخوف من الموت )، وأفكار انتحارية متكررة أو محاولة انتحار أو التخطيط المحدد له.
-وما الموت بأبغض من حياة أرى لهم معي فيها نصيبـــا
-كفى بك داءاً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن الأمانيا
-إذا غامرت في أمر مروم فلا تقنع بما دون النجـــوم
فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيــم
-نحن بني الموتى فما بالنا نعاف ما لابد من شربـــه
وغاية المفرط في سلمه كغاية المفرط في حربـــه
-وأني لمن قوم كأن نفوسهم بها أنف أن تسكن اللحم والعظما
كذا أنا يا دنيا إذا شئت فأذهبي ويا نفس زيدي في كرائهها قدما
-نعد المشرفية والعوالي وتقتلنا المنون بلا قتــــال
المناقشة
لقد دفعاني لإجراء هذا البحث حدثان مهمان بالنسبة لي الأول هو قراءتي لكتاب عميد الادب العربي الأستاذ طه حسين "مع المتنبي". أن إستنتاجه آنف الذكر من أن المتنبي لم يضحك في حياته سوى مرة واحدة قد دفعني لدراسة حياة وأدب المتنبي باحثاً عن السبب. أما الحدث الثاني فهو الحملة الحالية التي تقوم بها الكلية الطبية النفسية الملكية في بريطانيا ضد وصمة الأمراض النفسية. هذه الحملة تستهدف توعية الناس ورفع الجهل والتخوف من الأمراض النفسية وإظهار أن من أعاظم ومشاهير التاريخ من كان مصاباً بالمرض النفسي. ومن أعظم من المتنبي في تاريخ الأدب العربي.
أن دراسة شعر المتنبي دراسة تشخيصية قد أقنعتني بصحة رأي الأستاذ طه حسين آنفة الذكر. لقد ظهرت أعراض الإكتئاب واضحة للعيان في مختلف قصائد المتنبي وفي المراحل المختلفة لحياته من الشعر الذي قاله وهو شاب صغير الى ذلك الذي قاله في السنين الأخيرة من حياته.
لقد اتهم المتنبي لكثرة فخره وأعتداده بنفسه بأنه مصاب بمرض نفسي دعاه عبد الرحمن صدقي "بداء العظمة" (10). وقد يظن البعض بأن داء العظمة هذا ماهو إلا جزء من مرض الهوس Mania . إلا أن أبداع المتنبي ورجاحة بلاغته وحكمته في كل ما كتبه ما هو إلا دحض لهذه الفرضية. كما أن القارئ لديوان المتنبي ليلاحظ بأن أكثر فخر المتنبي مبالغة كان قد جاء في سياق أكثر الأحداث حزنا مثال أختلافه وأفتراقه عن سيف الدولة، وفاة جدته وتأخر كافور الإخشيدي عن الوفاء بوعده وإساءته له. ومن المنطقي الإستنتاج بأن مبالغة المتنبي في الفخر كانت جزءاً من نوبات مرضه الاكتئابي . لقد إقترحت المحللة النفسية النمساوية مليني كلاين مفهوم الدفاع الهوسي [Manic defence] الذي برأيها هو جزء من الوضع الاكتئابي يحاول به المريض من خلاله أن يقلل من المخاوف ومشاعر اللوم التي تترافق مع حالة الاكتئاب (11).
لقد درس الدكتور فيلكس بوست معدل الإصابة بالأمراض النفسية في 291 شخصية غربية مشهورة عالمياً (1). ولقد تبين للباحث أن مرض الإكتئاب وليس الهوس هو المرض الشائع بين الأدباء منهم. لقد أظهر بحثه أن 72% من الأدباء في عينته التاريخية كانوا قد أصيبوا بالاكتئاب. وقد نقل بوست عن أبحاث نفسية أمريكية على عينة من أدباء معاصرين قد وصلوا الى نفس النتائج.
تحياتي
......منقول......