أجلب معرض الرياض الدولي العام الماضي بخيله ورجله، ومكّن لأرباب دور النشر الموبوءة من ترويج كتب الزندقة والإلحاد، وتسويق كتب تحوي سبّاً لله عزّ وجلّ، والاستخفاف بشرعه المنزّل، والانتقاص لأنبياء الله عليهم السلام، كما عَمَد المعرض إلى إشاعة كتب الفحش والمجون، والقاذورات والزنا وسائر الخبائث. هذا الحدث الحافل بالانتكاسات والانسلاخ عن دينه القويم والخلق الرفيع يستوجب الوقفات التالية:
1- تتبع الخليفة العباسي المهدي (ت 127هـ) الزنادقة، فجدّ في طلبهم، وتتبعهم في سائر الآفاق، واستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه، وأما أرباب المعرض فقد تتبعوا دور الزنادقة، وأحضروها، وروّجوها بين يدي الناشئة وفي بلاد الحرمين –طهرها الله من كل رجس ونجس-.
2- الإيمان بالله مبني على التعظيم والإجلال للربّ عز ّوجلّ، ولاشك أن سبّ الله تعالى والاستهزاء به يناقض هذا التعظيم ويبطله، قال تعالى:- {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} الأحزاب57.
وقد غص المعرض بكتب كثيرة في سبّ الله تعالى وانتقاصه، فأين تعظيم الله يا أرباب المعرض؟! ألا توقنون بالبعث والنشور والوقوف بين يدي الجبار جل جلاله؟!
ها أنتم سوّقتم كتب الزندقة المطمورة والمغمورة، وأَذِنتم في بيع كتب الملاحدة من الشيوعيين –وأشباههم- من المارقين عن الدين والعقل والفطرة، مع أن الفكر الشيوعي قد انحسر وصار جلّه في مزبلة التاريخ، لكن يأبى هؤلاء القوم إلا أن ينقبوا هذه المزابل، ويسعوا إلى ترويج الكتب في سبّ الله تعالى وإنكار وجوده.
ورحم الله الفقيه المالكي ابن حبيب لما أفتى بسفك دم من تلفظ بعبارة فيها رعونة وسوء أدب في حق الله تعالى، وقال ابن حبيب -في شأن هذا الموبوء-: "دمه في عنقي، أيشتم ربّا عبدناه، ثم لا ننتصر له، إنا إذاً لعبيد سوء، وما نحن له بعبيد" ثم بكى، ثم علم الأمير عبدالرحمن بن الحكم الأموي بذلك، فخرج الأمر بقتله، وصُلب بحضرة الفقيه ابن حبيب (انظر الشفاء للقاضي عياض 2/1094,1093).
وهل سبّ الله وشتمه ثقافة وعلم يا أرباب المعرض؟! فاللهم إنا نبرأ إليك مما صنع هؤلاء..
3- حرر ابن القيّم أن الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها، فلا ضمان في تحريق الكتب المضلة ومحقها. (انظر الطرق الحكمية ص 254-257).
لكن أرباب هذا المعرض المأفون لم يقتصروا على كتب أهل الأهواء والبدع، بل تجاوزوا ذلك إلى كتب الردة المغلّظة، فجُلبت إلى المعرض، وبيعت جهاراً نهاراً. ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيفةَ التوراة مع عمر الفاروق رضي الله عنه، فقال عليه الصلاة والسلام: "أمتهوكون أنتم؟ لو كان موسى حيّاً لما وسعه إلا اتباعي" وقد التزم عمر بذلك، فلما اسُتخلِف رضي الله عنه، وفتحت "تستر" وعثر على جسد "دانيال" وكتبه، فأمر عمر بدفن ذلك في مكان لا يُعرف.
وفي هذا المعرض يجلب التلمود والإنجيل وسائر الكتب المحرفة المنسوخة..., فنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يحذّر من تلك الكتب، والفاروق عمر رضي الله عنه يأمر بدفنها، وأما المعرض فقد جلبها وسوّقها ونبشها واستخرجها، وجاء بها إلى بلاد الحرمين. وهذا "النبش" يذكّرنا بصنيع عمرو بن لحي والذي استخرج الأصنام، ودعا الناس إلى عبادتها، فهل حاكى أرباب المعرض عمر الفاروق أم عمرو ابن لحي؟!
4- حوى المعرض كمّاً هائلاً من القصص والروايات التي "تُسوِّق" الفاحشة، وتزيّن فعل القاذورات، وتغري بأنواع المسخ والشذوذ وسائر الخبائث. يقول تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} الأنعام151، وقال صلى الله عليه وسلم:- "من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإن من يبدي لنا صفحته نُقِم عليه حد الله" أخرجه مالك في الموطأ. وقد يستحوذ على بعض الآدميين السعار الجنسي، فيظل أسيراً في ماخور، أو رقيقاً لمومس وشبهها، ويطمع أن يوقع الشرفاء في شراك الفحش والفجور، وكما قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: ودتْ الزانية لو زنى النساء كلهن.
ورحم الله الأستاذ محمد الغزالي إذ يقول: "نحن نعلم أن بعض الناس يعيش أغلب أوقاته في شبكة "المجاري"، ويبدو أن بعض الأدباء أَلِف الحياة في مجاري المجتمع ومساربه السفلى، والمدهش أنه يريد جرّ الآخرين إلى مستواه الخُلقي، أو أنه يريد نقل روائحه المنتنة إلى ظاهر الحياة محاولاً طمس ما نبت فوقها من حدائق، وما فاح في جوها من عطور.. كذلك يصنع كتّاب الجنس في بلادنا، وفي أكثر أقطار الدنيا.." حصاد الغرور، ص (104).
إن تأجيج الشهوات وإطلاقها لن يخلف إلا شقاء ونكداً، ولن يورث إلا انسلاخاً من الدين، وتدهوراً للأمن، ونقصاً في الأموال والثمرات، وتاريخ الحضارات القديمة والحديثة شاهد على ذلك،لكن أرباب الشهوات لا يعقلون. وإذا كانت وزارة الصحة تكابد ويلات الأمراض الجنسية، حتى اشُترط السلامة من "الإيدز" عند النكاح، فهل ترويج هذه الروايات الجنسية القذرة يحقق شرط السلامة من أرباب الفواحش يا أرباب المعرض؟!
وأخيراً فإن هذا المعرض – بعجره وبجره- لم يلتفت إلى الهوية الثقافية لهذا البلد، فلم يرفع رأساً بشأن عقيدة الإسلام –فضلاً عن عقيدة أهل السنة والجماعة- ولم يبالي بالثوابت الشرعية وما كان معلوماً من الدين بالضرورة، فأين "الأمن الفكري" لمن يزعزع الثوابت الشرعية وينتقص شعائر الإسلام وحرماته!؟ إضافة إلى ذلك فإن تسويق كتب الزندقة والفحش قد يورث استفزازاً لا يمكن ضبطه، ويورث حنقاً وتصرفات لا تحمد عقباها، فأين العقل والسياسة يا أرباب المعرض والثقافة؟!
والله حسبنا ونعم الوكيل.
هنا لتصفح الخبر