بسم الله الرحمن الرحيم
نقلا عن جريدة الوطن
عبدالله صادق دحلان*
قد لا يعرف البعض من ميسوري الحال أو من كبار المسؤولين أهمية البريد لعامة الشعب بمن فيهم رجال الأعمال الصغار والكبار وقد يجهل بعض المسؤولين المستوى المتواضع للخدمة والأداء الذي وصلت إليه خدمات البريد في المملكة. ورغم كل هذه المعاناة إلا أنه من الواجب أن نقدر جهود المسؤولين السابقين على مختلف مستوياتهم وإمكانياتهم ولا ننكر الجهود التي بذلت في الماضي القديم والقريب وهي جهود كانت تعتبر في إطار الخدمات الأساسية للدولة والتي تتأثر مع مثيلاتها من الخدمات الحكومية سلبا وإيجابا بالظروف الاقتصادية ولم يكن أمام عامة المواطنين والمقيمين سوى قبولها دون احتجاج أو تذمر لعدم وجود بدائل أخرى ولحاجتهم الماسة للخدمة. وبناء على رغبة الدولة في تطوير الخدمات البريدية ضمن خطط إعادة الهيكلة الإدارية للأجهزة الخدمية الحكومية صدر قرارها باستقلالية إدارة البريد عن أي وزارة قديمة أو حديثة وتحويلها إلى مؤسسة عامة متخصصة ومستقلة (وهو قرار صائب) عينت على رأسها رئيسا بالمرتبة الممتازة وهو من خيرة الشباب علما وخلقا وكنت وغيري من المواطنين ومن رجال الأعمال نتوقع أن نرى تطورا ملحوظا ملموسا خلال فترة زمنية معقولة وكنا نترقب نتائج الدراسات والخطط التي أعدتها المؤسسة لتطوير الخدمات البريدية بعد أن أعطيت المؤسسة الجديدة كامل الصلاحيات والمسؤوليات والميزانيات اللازمة لتطوير الخدمات البريدية. إلا أنه وللأسف الشديد اتضح أنه من أولويات مؤسسة البريد كانت زيادة العبء المالي على كاهل المواطنين وتمثل ذلك في قرارها الأخير بزيادة رسوم صناديق البريد بنسبة 300% (تمثل السعر الثابت زائد قيمة خدمات إضافية حسب توضيح المؤسسة)، أي بقيمة 100 ريال سعر أساسي للفرد أو 300 ريال باسم اشتراك عائلي وألف ريال للمؤسسات الفردية و3000 ريال للشركات وبررت الزيادة بأنها تصحيحية في جزء منها وخصخصة في الجزء المتعلق بالشركات الكبيرة متهمة البعض منها بسوء استخدام صناديق البريد وهي زيادة مبالغ فيها مع ثابت الخدمات المقدمة للصناديق وهي زيادة مؤثرة على أفراد الشعب ومرهقة للمؤسسات الصغيرة والتجار الصغار لا بل تشددت المؤسسة في وضع ضوابط معقدة في استخدام الصناديق ومنعت الاستخدام العائلي إلا بمقابل مادي للصندوق وشروط معينة محاولة منها بالضغط على الآخرين لفتح صناديق خاصة أو القبول بالزيادة حيث كان في القديم يشترك بعض المواطنين من ذوي الدخل المحدود مع أبنائهم وبناتهم في صندوق واحد ويشترك صغار التجار في صندوق واحد وتعنون المراسلات لصندوق واحد، إلا أن المؤسسة العامة الجديدة لدواع أمنية كما تدعي أوقفت الإجراءات القديمة بدافع التطوير الذي يستهدف زيادة الأعباء، ولم تكتف بهذا بل أخذت المؤسسة بإعادة هيكلة أسعارها البريدية حيث ارتفعت أسعار رسائل البريد الممتاز إلى الضعف مع عدم وجود ضمان استلام للطرف الآخر وفي وقت محددة، ويتوقع أن تستمر المؤسسة في سياسة الزيادة الإضافية للأسعار بحجة أنها زيادة للخدمات البريدية الجديدة وفق خطط أعدت مسبقا، والحقيقة لا أعلم على أية أسس بنت مؤسسة البريد أسعارها الجديدة، وعلى مسؤولية من اتخذ القرار، وهل أقر ولي الأمر أو مجلس الوزراء أو مجلس الشورى هذه الأسعار؟ وهل أجريت دراسات عن الأسعار المقارنة في الدول العربية الأخرى المتشابهة في عدد السكان؟ ألم يكن هدف ولي الأمر عندما قرر إنشاء مؤسسة البريد هو تطوير الخدمات وإعطاءها مرونة أكبر في الأداء الإداري؟ نعم كان ذلك هو هدفه وأجزم بأن ولي الأمر لم يكن يقصد بقراره زيادة الأعباء المالية على شعبه والمقيمين بوطنه، وإذا كانت الزيادة مبررة فلماذا لم تطرح بالشرح والتفصيل لنبدي رأينا قبل فرض القرار علينا، وإذا كانت الزيادة مرتبطة باقتصاديات التشغيل فلماذا لا تنشر تكاليف التشغيل لنتعرف على تفاصيلها ونبدي رأينا في التكلفة الحقيقية؟ وإذا كان السبب هو المشاريع التقنية والآلية الجديدة والمتضخمة تكلفتها فلماذا لم تطرح في منافسة مفتوحة محليا ودوليا للتعرف على فوارق التكلفة؟ وإذا كانت الزيادة في الخدمات البريدية بسبب زيادة في تكلفة القوى العاملة أو المباني والتأثيث أو غيرها من التكاليف غير الأساسية فإنه من الإجحاف تحميل أبناء الوطن هذه التكلفة. إن مؤسسات البريد في جميع أنحاء العالم هي مؤسسات خدمية تقدم خدماتها للفقير والغني للكبير والصغير لساكن المدينة والقرية للمسؤول ورجل الأعمال والمتقاعد والمعاق وغيرهم، وتعتبر مؤسسات البريد في الدول النامية والمتقدمة والفقيرة الشريان الرئيسي لاتصال الشعوب مع بعضها داخل أوطانها أو خارجها.
وتدعم الدول الغنية والفقيرة مؤسسات البريد وتعتبرها جزءا من خدماتها لشعوبها وهي وسيلة الاتصال الوحيدة والأساسية للفقراء وهي الخدمة الوحيدة التاريخية منذ آلاف السنين باختلاف وسائلها.
إن ما يدفعني للكتابة اليوم ليس عبء التكلفة على شخصي أو مؤسستي وإنما هو الاختلاف مع مبدأ التطوير على حساب المواطن محدود الدخل ولا أتصور أن يدفع المواطن تكلفة تطوير الخدمة إلا إذا علم وناقش التكلفة الحقيقية وضمن لنفسه الحق في المناقشة في نهاية كل ميزانية لمؤسسة البريد ليتأكد بأن ما يدفعه ينفق في مكانه سواء لتغطية تكاليف أو لتطوير خدمة. نعم نحن في أمس الحاجة إلى مزيد من الشفافية في أداء المؤسسات العامة للدولة. وأتمنى على كل مسؤول جديد في أية وظيفة حكومية أو شبه حكومية أن يأخذ في اعتباره البعد الاجتماعي والتكلفة والعبء المالي على المواطنين وإن كنت شخصيا ويشاركني البعض بأننا على أتم الاستعداد لدفع الرسوم الإضافية لتطوير الخدمات شريطة أن نشارك في مناقشة تكلفتها وطريقة صرفها ونتأكد بأن ما ندفعه يذهب بانضباط إلى تغطية جزء من التكلفة وتطوير الخدمة.
متمنيا على ولي الأمر إحكام الرقابة على الرسوم التي تضاف على كاهل المواطنين متطلعا بأن يمنع زيادة أية رسوم إلا بموافقة سامية بعد دراسة من المجالس المتخصصة.
لقد لاحظت أخيرا ظاهرة جديدة في سلوك بعض القيادات الحكومية التي عينت أخيرا وتتمثل في لجوء البعض منها إلى تطوير الإدارة حسب القناعات الشخصية والأهواء الشخصية ومحاولة البعض الآخر طمس أداء وتميز وجهد وإنتاج المسؤولين السابقين ومحاولة تعريتهم ويلجأ البضع الآخر إلى التغيير في المسؤوليات والمسؤولين ومسميات الوظائف ووقف القرارات والتنظيمات السابقة ووضع خطط ودراسات جديدة اعتقادا منهم بأنها جزء من التطوير دونما النظر إلى أن في التنظير أحيانا تأخيراً يضر بمصالح المواطنين وهذه بعض معاناتنا كمواطنين، لكنني وزملائي من الكتاب سنظل نتابع بكل تجرد وأمانة أي أداء يضر ويسيء إلى سمعة الإدارة في بلادنا.
*كاتب اقتصادي سعودي