حدثني خالد بن يزيد ، ـ منحه ربي من العمر المزيد ـ حدثني عن حادثة عجيبة غريبة ، لولا صدقه لقلت أنها مريبة ، ولكنه عودني على الصدق ، وألا يقول من الأخبار غير الحق ، هكذا عرفته ، ولذا صحبته ، فهو رفيق بالصديق ، وصادق للرفيق ، يقول :
دخلت يوماً صالة ، في أحد البنوك أبحث عن حوالة ، فرأيت ما لم أره في حياتي ، ولم يكن يوماً من أمنياتي ، رأيت شاشات كثيرة ، صغيرة وأخرى كبيرة ، تذكرني كل شاشة ، بمسلسل قماشة ، عند كل واحدة ، شلة و مائدة ، عيونهم مسمرة ، ووجوههم محمرة ، كلهم إليها ناظرون! ، وفيها يتأملون !، أهو صنم جديد ؟، وهؤلاء هم العبيد ؟ وأنا بينهم أتأمل ، ولم أر منهم من تململ ، فإذا بالشاشات غشاها لون أحمر ، فوقف كل من حولي وتسمر!!، فرفع أحدهم صوته بالعويل ، ينادي الرحمة يا جليل ، فرد عليه آخر ، من اللي يضحك في الآخر ، جلست عند أحدهم ، يواسيهم ويهدهدهم !! ، يصّبر من نفذ صبره ، ويغطي من انكشف ستره ، يضمد المجروح ، وينصر المطروح ، سألته عن أسباب هذا الهرج ، فقال :
نسأل الله الفرج ، شدة ستزول ، هذا هو المأمول ، قلت أخبرني عن هذا المكان ، وعن شيبه والغلمان ، قال ـ وليته ما قال ـ : هنا تسكب العبرات ، وترتفع الزفرات ، هنا سكتات قلبية ، ومنخفضات جوية ، هنا يفلس الهامور ، وينغنغ الناطور ، هنا حفرت حفرة كبيرة ، سقط فيها كل فقير وفقيرة ، هذه صالة الأسهم ، بل صالة السم والهم ، هذه صالة التداول ، سلط الله عليها المعاول ، كان الناس في أعمالهم ، ينوعون بالتجارة أموالهم ، حتى دغدغ أحلامهم الهوامير ، وأملوهم بالغنى والملايير (لا تدققون ـ ضرورة شعرية ـ)!! فتركوا تجاراتهم ، وأقفلوا محلاتهم ، وسيلوا أصولهم ، وألغوا مع الأسف عقولهم ، فجعلوا كل ما يملكون ، على كف عفريت مجنون ، وبعد أن أذاقوهم بعض المرابح ، وكشّخوا بالبشوت والمسابح ، ولم يكفهم المضاربة بأموالهم ، فاستدانوا فزاد حملاً على أحمالهم ، حتى أتاهم ـ كما ترى ـ أمر الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فهم بين سفيه ومجنون ، ومهموم ومغبون ، ومنهم من يتهيأ للسجن ، لعله يشبع من الزيتون والجبن ، ومنهم من ينادي بالثارات ، يا لمضاربي الزراعيات ، فهل ياترى من ارتداد ، فإني للهروب باستعداد ، ولو بعد شهور ، فهي خير من الدهور ، يقول خالد بن يزيد :
تركت صاحبي وهو ينتحب ، رافع يديه لمن يحب ، يسأله ويناجيه ، ويرجوه ويرتجيه ، فخرجت من الصالة ، وأنا أرأف بحاله ، أشكر ربي على السلامة ، وأعوذ به من الملامة ..
منقول