قال أبو الفتح الاسكندري : اشتهيت الزاد وأنا ببغداد ، وليس معي عقد على نقد ، فخرجْتُ و إذا بسواديّ يسوق بالجهد حماره ، فذهبتُ إليه ثم عانقته ، وقلت : حياك الله يا أبا زيد ! من أين أقبلت ؟ وأين نزلت ؟
قال السوادي : لست بأبي زيد ! و لكني أبو عبيد !
فقلت : نعم ، لعن الله الشيطان و أبعد النسيان ! كيف حال أبيك ؟ وهل شاب بعدي ؟
قال : قد نبت الربيع على دهنته ! و أرجو الله أن يصيّره إلى جنته 0
فمدّ أبو الفتح يده إلى صدره ليمزقه ، فأمسكه السوادي وقال : نشدتك الله لا مزّقته ، فقال أبو الفتح : هلمّ بنا لنشتري شواء أو غداء ، و السوق أقرب ؛ و طعامه أطيب ، فطمع السوادي و لم يعلم أنه وقع ، و ذهبا إلى السوق و طلبا شواء يتقاطر دسماً !! ولوزينج كثيف الحشو ! لؤلؤي الدهن ! يذوب كالصمغ قبل المضغ !
و أكَلا هنيئاً ، ثم فكّر أبو الفتح بعد الطعام الشهي أن يهرب ويترك السوادي ليدفع الثمن ، فقال : ما أحوجنا إلى ماء يشعشع بالثلج ليُبَرِّد هذه اللُّقَم الحارّة ،0
و خرج مُدَّعياً إحضار السقاء ، و لاذ بالفرار ، ثم جاء صاحب الحلواء إلى السوادي طالباً منه ثمن الأكل ، فقال : أكلتُهُ ضيفاً ، فلكمه لكمة ؛ و ثنَّى عليه بلطمة !و قال : هاك ! و متى دعوناك ؟ هات عشرين !
فجعل السوادي يبكي ويُخرِج نقوده ويقول : قلتُ لذلك القُرَيد : أنا أبو عبيد ! وهو يقول : أنت أبو زيد !
سلام من المواصل 0