المؤسسة العامة للموانئ, قطاع الاتصالات, مرفق البريد, المؤسسة العامة للخطوط الحديدية, الخطوط الجوية العربية السعودية, المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة, وشركة الخدمات في مدينتي الجبيل وينبع, جميعها أمثلة لخدمات وأنشطة استهدفت أو جار استهدافها ضمن مظلة استراتيجية التخصيص السعودية الوطنية في نقلة نوعية نحو تطوير الاقتصاد السعودي وتحسين تنافسيته في الاقتصاد العالمي.
تباينت الأهداف الاقتصادية من تخصيص هذه الخدمات والأنشطة بين تحسين الأداء أو زيادة الربحية أو تطوير الإنتاجية أو جميعها معا. وتباينت مع تباين الأهداف الاقتصادية آليات التخصيص بين إنشاء هيئات عامة كهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أو إعادة هيكلة هيئات عامة قائمة كرئاسة الطيران المدني, أو إنشاء شركات تعمل على أسس تجارية, كما قد يحدث في قطاع المياه.
ومع تباين الأهداف الاقتصادية وتباين آليات التخصيص تباينت أساليب تخصيص هذه الخدمات والأنشطة بين الطرح للاكتتاب العام كشركة الاتصالات أو البيع لمستثمر رئيس كشركتي سما وناس للطيران الاقتصادي أو كليهما معا كشركة اتحاد اتصالات.
مقارنة تجربة التخصيص السعودية بمثيلاتها الدولية من الأهمية بمكان كونها تفتح مجال المقارنة والتعرف على الانعكاسات ليس بما يسهم في تحسين تنافسية الاقتصاد السعودي فحسب, وإنما في تحسين المستوى المعيشي للمواطن السعودي وأسرته ومجتمعه.
تعد تجربة التخصيص البرازيلية خلال التسعينيات الميلادية من القرن الماضي من التجارب الدولية المعاصرة في أدبيات التخصيص. توضح التجربة الانعكاسات على الاقتصاد الوطني عند اتباع آلية وأسلوب تخصيص واحدة دون الأخذ بعين الاعتبار نوعية النشاط المخصص وحجم ربحيته ومقدار إسهامه المستقبلي في نمو الاقتصاد الوطني.
شهدت اقتصادات أمريكا اللاتينية خلال الفترة من 1950 ـ 1990 موجة تأميم معظم الشركات الخاصة. عزيت أسباب موجة التأميم هذه إلى طبيعة الاقتصاد السياسي في هذه الدول خلال تلك الفترة من وقوع تحت الحكم العسكري أو انضمام إلى المعسكر الشيوعي أو كليهما معا.
أسهمت موجة التأميم هذه في بلوغ آفاق الاقتصاد السياسي ولكنها عجزت عن بلوغ آفاق الاقتصاد التنموي. أدى هذا التباين بين الآفاق إلى تواضع مساهمة اقتصادات أمريكا اللاتينية في نمو منظومة الاقتصاد العالمي. فتزايدت مشاركة السياسيين في القرار الاقتصادي وتواضع أداء الأنشطة والخدمات التنموية وتراكمت ديون الشركات العامة وتراجعت مكانة العملة الوطنية.
ألقى انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء حقبة الحرب الباردة بظلالهما على اقتصادات أمريكا اللاتينية وآيدلوجيتها السياسية. فبدأت اقتصاداتها التوجه نحو المعسكر الرأسمالي وتدعيم مبادئ الاقتصاد الحر من توطين الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتدويل الاستثمارات الوطنية وتفعيل تنافسية الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي.
بدأ الاقتصاد البرازيلي ضمن موجة الإصلاح الاقتصادي هذه مطلع التسعينيات الميلادية من القرن الماضي بتدشين برنامج تخصيص طموح لتخصيص الشركات العامة العاملة في مجال الحديد والصلب, الاتصالات, الطائرات, الكهرباء, والطاقة.
تميز برنامج التخصيص البرازيلي بميزتين, الأولى اعتماده على آلية تنفيذ واحدة تمثلت في إنشاء وزارة للتخصيص لتتولى مهام التخصيص الجزئية والكلية, والثانية اتباعه أسلوب البيع لمستثمر رئيس عوضا عن الاكتتاب العام لاعتبارات اقتصادية من أهمها تواضع دخل المواطن البرازيلي وتواضع قوته الشرائية.
بدأت عملية التخصيص بشكل بطيء ولكنها ما لبثت أن تسارعت مع زيادة المعرفة في التخصيص وتدفق عائدات التخصيص للخزانة البرازيلية وتحسن البنى التحتية الرئيسة بشكل ملحوظ.
أسفرت عملية تخصيص الشركات البرازيلية بنهاية التسعينيات الميلادية من القرن الماضي عن تخصيص قرابة 300 شركة عامة وجمع قرابة 150 مليار دولار أمريكي كعائدات تخصيص, وتطوير البنى التحتية وتحسين الأداء العام وتطوير تنافسية الاقتصاد البرازيلي.
يشهد الاقتصاد البرازيلي اليوم نموا اقتصاديا أسهم في دخوله منافسا قويا مع الاقتصاد: الصيني, الهندي, التركي, والجنوب إفريقي للاستحواذ على معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة من 2005 إلى 2010.
على الرغم من بلوغ جميع هذه الآفاق إلا أنها تعد متواضعة إذا ما قرئت من وجهة نظر المواطن البرازيلي. فما زال مستواه المعيشي دون المتوقع, ومعدل البطالة في تحسن طفيف والخدمات الصحية والتعليمية دون المأمول.
تحمل تجربة التخصيص البرازيلي العديد من الفوائد حول إيجابيات وسلبيات اتباع آلية وأسلوب تخصيص واحدة وانعكاسات هذه المنهجية على المستوى المعيشي للفرد والأسرة والمجتمع.
وعديدة هي الفوائد عندما نقارن التجربة بمثيلتها السعودية, فتجربة التخصيص السعودية تتميز باتباعها آليات مختلفة وأساليب متعددة نابعة من تباين الأهداف الاقتصادية بين السعودية والبرازيل, أسهم هذا التباين في الآليات والأساليب في إنتاج مزيج تخصيص سعودي فريد من نوعه سيسهم ليس في تطوير تنافسية الاقتصاد السعودي في الاقتصاد العالمي فحسب, وإنما في تحسين المستوى المعيشي للمواطن السعودي وأسرته ومجتمعه بعون الله تعالى.
د.محمد بن ناصر الجديد
17/04/1428هـ