البريد... والتقدم للخلف
د. عبدالملك بن إبراهيم الجندل
جريدة الجزيرة
يعد البريد من وسائل الاتصال القديمة، منذ أيام الدواب كالخيول والحمير وغيرها، إضافة إلى الحمام الزاجل، والذي يعد القمة في إيصال الرسائل، ومع تطور العلم بما أفاء الله على الإنسان من نعمة العقل والتفكير، تطورت وسائل البريد تطوراً هائلاً في عصرنا الحاضر.
وتقوم (مؤسسة البريد السعودي) بالمهمة البريدية في المملكة، تلك المؤسسة التي يجب أن تكون رائدة في تقديم الخدمات البريدية المتطورة، ولكن الموقف الذي واجهته معهم يبين غير ذلك، فقد اشتركت في خدمة (صندوق البريد) منذ أكثر من عشرين عاماً، وفي السنوات الأخيرة قاموا برفع أسعار الاشتراك أضعافاً مضاعفة، فدفعنا مرغمين لعدم وجود البديل، ويبدأ فصل المأساة هذه الأيام عندما ذهبت إليهم لتجديد الاشتراك ودفع الرسوم، فبعد نحو نصف الساعة لإيجاد موقف لسيارتي فاجؤوني بأن التسديد عن طريق (الصراف الآلي)، وأفادوا بإرسال رسائل عبر الجوال، فأفادتهم بعدم وصول أي رسالة، وبعد المراجعة تبين أنهم لم يحدثوا معلوماتي منذ أكثر من خمس سنوات، أيام ان كان رقم الجوال تسعة أرقام، فتم تعديل البيانات، وطباعة ورقة تحمل رقم الحساب، مع وجود فرصة أكثر من شهر للتسديد، وبعد عدة أيام توجهت (لجهاز الصراف)، والذي رفض العملية فاتصلت بالبريد، وأخبروني بمعلومة جديدة (غريبة فريدة ظريفة)، مفادها أنه عند تحديث المعلومات يجب التسديد خلال سبعة أيام فقط، وإذا لم تسدد فيجب تحديث البيانات، وهكذا كل سبعة أيام!!
ثم اتصلت بفرع البريد، والذي يساعد بإجراء التحديث، ثم توجهت للصراف، ولكن دون جدوى.
ثم عدت إليهم- بعد أن أعيتني الحيل- والبحث عن موقف السيارة، وقلت في نفسي (هذا وقت الليموزين)، فراجعتهم بعد أن أغلقوا بريدي (بالشمع الأحمر)، وطلبوا تعبئة بيانات جديدة، والعلة والسبب أن البيانات القديمة (باح) يلغيها الجهاز مع آخر يوم سمح لك بالسداد!! وأنت الآن مشترك جديد.
فقلت (والله تطور) في القرن الواحد والعشرين، وأعددت بيانات جديدة، ثم أعطوني رقم حساب جديد (للسداد) وحذروني وأنذروني أنه إذا لم تسدد خلال سبعة أيام، فلابد من العودة، وتوجهت مباشرة ودون تأخير إلى جهاز (الصراف) صرف الله عنا العودة لهم، (والحمد لله أني لم أقطع الإشارة الضوئية)، ولكن تلك السرعة لم تشفع لي لعدم قبول (جهاز الصراف) إلا صباح اليوم التالي.
وبعد.. وبعد التمحيص والسؤال أفاد أحد منسوبي البريد بأن الخلل في النظام (السستم)، وكثرة أعطاله، مع عدم إصلاحه، ومع ذلك رفض المسؤولون في البريد استلام المبلغ نقداً من المشترك، هذا ما أفاد به أحد منسوبيهم، أما أنا فتوصلت إلى أن تلك (الحركات) من أجل مشروع (واصل)، فكأنهم يقولون: تستاهل أيها المواطن هذه (المرمطة) التي لم يجبرك عليها أحد!! من قال لك استمر في الاشتراك بالصندوق!! رفعنا السعر ضعفين فدفعت، وضعنا لك صندوقاً مجانياً أمام بيتك وما اشتركت!!، وكل ذلك سعياً لإنجاح مشروع (واصل) المجاني، والذي يراه الناس في الواقع (فاشلاً)، ولست أناقش هنا صحة اتجاه الناس أو خطئه.
ذكرى.. وبما أننا في (موسم الغبار المفاجئ) فإن لي موقفاً مع البريد (وقد يتطاير معه الغبار لقدمه)، إذ إنه وقيل نحو عشرين عاماً أو تزيد، كتبت موضوعاً عن البريد، بعد أن وصلتني رسالة إقلاعها من سريلانكا وهبوطها الكويت، وإذا بها - ويا سبحان الله- تهبط في صندوق بريدي في الرياض - وقد تكون هبطت اضطرارياً- لسبب واحد هو التشابه في رقم الصندوق فقط، أما المعلومات على الرسالة فلم يذكر فيها أي شيء عن السعودية أو الرياض، فماذا فعل البريديون بعد قراءتهم المقال؟ قاموا بإغلاق صندوق بريدي، وإخطاري بوجوب مراجعة المركز الرئيس، وراجعتهم ووجدت المعاملة وقد تضخمت، وبعد (سين وجيم) وإثبات الواقعة، أشاروا علي بترك الكتابة عنهم، وأن أبوابهم مفتوحة عند وجود الملاحظات.
وقد ذكرتني -تلك التصرفات- ونعم في عام 1430هـ باتجاهاتهم في ذلك الزمن القديم.
ختاماً.. هل تعلم مؤسسة البريد.. ومراقبوها الماليون أن (خراب السستم) على حد قولهم، قد أضر المؤسسة، حيث أفقدها نحو20% من قيمة الاشتراك، وهي المدة الفاصلة بين انتهاء الاشتراك القديم، والاشترك الجديد، وهذا حساب صندوق واحد (وعليكم القياس).
وهل تعلم مؤسسة البريد.. أنه بعد أن تم إغلاق الصندوق، أضرت المشترك، فقد تم إرجاع جميع الرسائل إلى مصدرها، مع ما واجهه المشترك من مراجعات غير ضرورية.
وهل تعلم مؤسسة البريد.. أن طريقة الحل سهلة (جداً جداً جداً)، وهو إيجاد الجهاز المسمى (نقاط البيع أو المشتريات) المرتبط بالشبكة السعودية، في فرع البريد نفسه، وعند تعطل النظام (السستم) يكون التحصيل نقدياً.
وهل تعلم مؤسسة البريد... أننا نسمع ونسعد بتصريحات المسؤولين بما سيقدمه البريد من خدمات مستقبليه، ولكن قبل البدء في خطط المستقبل، يجب تقييم الحاضر وتقويمه.