..
وسط مطالب بخطوة مماثلة
رمى القرار الإماراتي بزيادة أجور العاملين في الحكومة الاتحادية حجرا كبيرا في بركة الجدل حول جدوى رفع الرواتب داخل الشارع السعودي، فطفت مواقف وآراء متباينة تجاه القضية إلى السطح من جديد، ففي حين عبّر سعوديون عن أملهم بأن تحذو حكومة بلادهم حذو الإمارات، ولو بنسبة 10 أو 20%، خالفهم آخرون الرأي مبدين قلقهم من أي زيادة في الرواتب قد تدفع للمزيد من جنون الأسعار.
وكانت الحكومة الإماراتية قد أقرت منتصف الأسبوع الماضي زيادة رواتب موظفيها من مدنيين وعسكريين بنسبة 70%، على أن يكون القرار ساريا بداية السنة المقبلة 2008.
ليست حلا سحريا
وفي تعليقه على الاتجاهات المختلفة إزاء موضوع زيادة الرواتب، قال الكاتب الاقتصادي فضل البوعينين "إنه يحترم جميع الآراء التي تطالب بالزيادة والتي تتحفظ عليها كذلك، غير إنه يميل لرأي الطرف الأخير، على اعتبار أن زيادة الرواتب ليست الحل السحري لمشكلة التضخم، كما يعتقد البعض".
واستدرك أنه " لا بد من التفريق بين الزيادة الإجمالية لعموم الأجور، وبين تعديل الرواتب التي هي مطلب محق لتحسين أوضاع ذوي الدخول المنخفضة، عن طريق رفع الحد الأدنى للأجور".
وذكّر البوعينين بمجموعة من الحلول البديلة لتخفيف وطأة التضخم، وعلى رأسها التركيز على الأسعار ومحاولة تخفيضها، معتبرا أن الفرصة أمام هذا التخفيض تتسع كلما اشتدت الرقابة، إلى جانب اللجوء للمخزونات الاستراتيجية من المواد الأساسية؛ حيث إن الاستعانة بتلك المخزونات في أزمات التضخم الكبرى لا تقل أهمية عن استخدامها في وقت الكوارث والحروب، حسب البوعينين الذي رأى في الأمر فائدة مزدوجة، تسهم في الضغط على الأسعار أولا، وفي تجديد المخزونات ثانيا.
يمين الدولة وشمال التجار
وأجمل الكاتب الاقتصادي عددا من الخيارات المكملة، مثل منع إعادة تصدير المواد الغذائية والإنشائية عبر المنافذ البرية، ودعم الحكومة للمنتجات الأساسية، وتخفيض العديد من الرسوم المستوفاة بما في ذلك رسوم الجمارك، وتغيير سعر صرف الريال مقابل الدولار.
وانطلاقا من حساسية الزمن في الاقتصاد، لفت البوعينين إلى أن الإسراع في إنجاز المشروعات الكبرى له دوره الواضح في تقصير عمر التضخم، علاوة على الفوائد البديهية لهذه المشروعات من توفير آلاف فرص العمل، ورفد قطاع الإنتاج الرابح في المملكة.
وعرّج البوعينين على موضوع زيادة الرواتب في الإمارات، موضحا أن هذه الزيادة على ضخامتها لن تستقطع من الميزانية الإماراتية الكثير، لقلة من ستشملهم مقارنة بالسعودية، التي يعد بند الرواتب فيها الأول على سلم المصروفات، كما إن نسبة التضخم في الإمارات تعادل ضعفها في المملكة، وهذا ما دفع قطاع الشركات لإعلان تفضيله السعودية على الإمارات في آخر استطلاع للرأي نشر بهذا الخصوص، محذرا في النهاية مما دعاه "السعادة الوهمية" التي تأتي بها زيادات الرواتب عموما، إذ إن ما تعطيه الدولة باليمين يُسترده التجار بالشمال كاملا وربما زيادة.
التضخم يلتهم المدخرات
وفي استطلاع سريع لوجهات نظر الشارع السعودي حول زيادة الرواتب، برزت مواقف متعددة وصلت حد التضاد، بين من أيّد مطلب الزيادة دون تردد، ومن رفضه مطلقا إلى درجة "التعوذ" من زيادة تجر وراءها زيادات، كما ورد على لسان البعض.
ورأى المواطن سعد الحكمي أن زيادة الرواتب مطلب ملح لا يحتمل التأخير، فظاهرة الغلاء وعجز أرباب الأسر عن تأمين احتياجات من يعولون لم تعد خافية، وقد يؤدي استفحال الأمر إلى عواقب غير مرغوبة، لا سيما لدى طبقات زادها الغلاء فقرا على فقر.
وانتقد الحكمي كل من يقف ضد رفع الرواتب؛ لأنهم يتكلمون عن غير دراية بحال الموظفين، ويتخيلون ضبط الأسعار قضية سهلة، فيما تحتاج الدولة لأن تضع رقيبا على كل بائع وهذا مستحيل، معتبرا أن أي حل من الحلول البديلة سوف يستغرق فترة طويلة لتطبيقه والشعور بآثاره، في وقت يقضي التضخم على مدخرات الناس بسرعة مذهلة.
واتفق صالح البدر الذي كان يدفع أمامه عربة تسوق مع ما ذهب إليه الحكمي، قائلا "إن كل الدول تلجأ إلى زيادة الأجور فيها لتخفيف وطأة الغلاء عن مواطنيها، فلماذا نحن بالذات يتم تخويفنا من الزيادة؟ وكأننا استثناء في هذا العالم"، مشيرا إلى أن المسألة ليست من باب الغيرة لكن الخليجيين يهتمون بما يحصل في بلدانهم لتشابه ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا فإن رفع الأجور أو تخفيض الأسعار في الكويت أو البحرين مثلا لا بد أن يجد صدى واسعا في السعودية أو قطر، ومن هنا أيضا عاد الحديث بقوة عن زيادة الرواتب في السعودية بعد الإمارات، وانتشرت الشائعات حول هذا الأمر سلبا وإيجابا، دون أن يكون لدى أحد الخبر اليقين.
وعدّ عبد اللطيف الدوسري التحجج بقصر المدة بين الزيادة الماضية والزيادة التي يجري المطالبة بها حاليا، كلاما "مردودا على أصحابه"، فمتى حلّ الغلاء وجبت الزيادة على حد قوله، مضيفا "الزيادة الإماراتية السابقة جاءت في نفس وقت الزيادة السعودية، وها هي الإمارات تزيد رواتب موظفيها ثانية ولم يقل أحد هناك إن المدة بين الزيادتين قصيرة".
وكانت السعودية زادت رواتب المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بنسبة 15% في 2005، وهو نفس العام الذي أقرت الإمارات فيه الزيادة قبل الأخيرة بمقدار 25%.
الزيادة تخص والتخفيض يعم
وعلى النقيض رفض مواطنون سعوديون فكرة رفع الرواتب، قائلين "إن خفض أسعار الخدمات والسلع أجدى بكثير، فهذه لا يستطيع أن يبطل مفعولها أحد، بعكس رفع الأجور الذي يختفي أثره مع أول رفع للأسعار".
واستشهد "أبو إبراهيم" على موقفه المعارض للزيادة بالقول "إن تخفيض سعر البنزين أحس به الجميع ووجدوا بركته أكثر من زيادة 15%، وبناء عليه فإن تخفيض سعر الكهرباء أو الغاز سيجد ترحيبا أكبر من أي زيادة"، وفق قوله.
ورأى محمد المرشد أن رفع الرواتب لا يصب إلا في مصلحة موظفي الحكومة، بينما يبقى العاملون في القطاع الخاص محرومين منه، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن التخفيض يشمل المجتمع بأسره، على خلاف الزيادة التي تخص فئة دون فئة.
أما بندر الغامدي فأبدى استغرابه للنظر بعين واحدة إلى المسألة، معتبرا أن الحكومة يمكن أن "تجمع الحسنيين" من خلال زيادة الرواتب وتشديد الرقابة على الأسعار حتى لا تبتلع هذه تلك، وقد حصل قبل حوالي 25 سنة أن تم ضبط الأسعار بالتزامن مع زيادة الأجور، فشعر الناس بقيمة الزيادة الحقيقية رخاء واستقرارا.