أتمنى على اقتصاديينا الأكثر تفرغاً، عمل بحثين ضروريين، لهما أهمية كبيرة لاقتصادنا الوطني السعودي. وللتوضيح سأضع كلماتي على المحك، وسأدعي أن اقتصادنا مكبل، ومربوطة رجليه بحجرين يشدانه إلى القاع (لولا تحسن أسعار النفط)، ولو حلت تلك القضيتين، اللتين هما موضوع البحثين المقترحين، فسيكون النمو الاقتصادي، أضعاف، أضعاف ما هو عليه اليوم. لتحقيق النمو الاقتصادي، كل اقتصاد يراهن على تدوير عملته عدة مرات، Multiplier effect ، وكلما زاد عدد مرات التدوير، كلما زاد معدل النمو. ويتم التدوير من خلال وجود ثقة بين المتعاملين، الذين يمولون بعضهم البعـض، بالإضافة إلى وجود ثقة بوجود نظام قضائي، يفصل بيـن المتعاملين، في حالة الاختلاف، أو عدم السداد، ووجود سلطة تنفيذية حازمة لتنفيذ الأحكام.
البحثان المطلوبان هما عن:
1- التأثير السلبي للانفصام التام بين النظام القضائي، والنظام المصرفي، على الاقتصاد الوطني.
2- قضية الشيكات المرتجعة، بدون رصيد.
باستثناء أدوات التمويل الإسلامية التي طورتها البنوك، والتي تخدم في الأساس العمل التجاري، فإن الجزء الأعظم من ودائع البنوك هي معطلة، ومستثمرة خارج المملكة أكثر من 154 مليار ريال (41 مليار دولار)، ومن ثم هي غير قابلة للتدوير، لان فرص استثمارها محلياً محدودة جداً، واهم تلك الفرص هي فرص التمويل العقاري، في ظل إحصائيات تقول إن 22% فقط من السعوديين يملكون سكناً، وسبب التعطيل يعود إلى رفض القضاء إجراء عمليات الرهن للبنوك، كما يرفض القضاء، بشكل عام، النظر في قضايا البنوك مع مقترضيهم، ولذلك نجد نموا كبيرا في الودائع، وفي نفس الوقت تنطبق على البنوك السعودية تهمة أنها تقرض من لا يحتاج الإقراض، وتترك من يحتاج من عامة المواطنين، خصوصا جيل الشباب منهم، بسبب ذلك الانفصام بين النظامين القضائي، والبنكي.
ولو ووجهت البنوك السعودية بتلك التهمة، لاعترفوا بأنهم فعلاً يقصرون الإقراض على من يثقون بهم فقط، ويزيدون قيمة الضمانات، ويزيدون أتعاب القرض، كل ذلك لتغطية المخاطر المحتملة، لأنه لا يوجد نظام قضائي يحميهم، وقد يذكّرونك بأن ودائعهم المستثمرة في البنوك الأجنبية لا تحقق لهم إلا ما يعادل سعر سوق لندن Libor، في حين أن الإقراض الداخلي، كان يمكن أن يحقق لهم عوائد اكبر بكثير، ولكن أيديهم مغلولة.
وبالمقابل، ومن المؤسف حقاً، انه لو درس المختصون أسلوب التمويل المسمى شعبياً (سوق الجفرة)، والذي هو مجاز شرعياً، لوجد به من الغبن، والظلم، والاستغلال، ما لا يمكن أن تتهم به البنوك.
هناك محاولات لإيجاد حلول، ولكن يمكن وصف تلك المحاولات، بأنها خجولة، وبطيئة، ولا تتناسب مع حجم الفرص المفوّتة على الاقتصاد الوطني.
الظروف كلها تدعو إلى تضافر جهود الفقهاء، والاقتصاديين، والمصرفيين، لإيجاد حلول تضمن الاستفادة من متانة القطاع المصرفي السعودي، لدعم الاقتصاد الوطني، والتيسير، ما أمكن، لتوفير التمويل للملايين من المواطنين الذين ينشدون السكن، ولا يجدون سبيلاً للتمويل.
وسأتطرق إلى قضية الشيكات المرتجعة في مقال منفصل.
وللإيضاح فسوق الجفرة هو سوق دكاكينه مليئة بأكياس الأرز، إلا أنها ليست للبيع الحقيقي، وإنما تستخدم من قبل المقرض والمقترض، لإتمام عملية بيـع صورية، تقتصر على لمس الكيس فقط، للإيهام بان أساس العملية هي مبايعة وليست إقراضا، وعادة ما يحصل المقرض على عمولة خيالية، لأن المقترض هو من المستضعفين، الذين لا يجدون سبيلاً آخر لمواجهة التزاماتهم الحياتية.
سليمان محمد المنديل