,,
,,
التضخم في المملكة العربية السعودية هو نتاج فوضى وسوء تنظيم وعدم القدرة على مواكبة التغيرات للأسواق الداخلية .. وأحب أن أرد على من يتحجج بربط التضخم المحلي بما يحدث من تضخم في دول أخرى وسأتخذ من فرنسا نموذجا مرة أخرى لأنها بلد أعيش فيه ودرست أنظمته التجارية والمحاسبية والضرائبية وبها التضخم نتج لأسباب خارجية وبالتحديد ارتفاع سعر الوقود الذي تستهلكه ولا تنتجه الذي رفع بالتالي تكلفة الشحن وأدت إلى رفع أسعار بعض السلع الاستهلاكية بالإضافة إلى سعر الوقود أما داخليا (السعودية) فإن التضخم هو في ثلاثة أبعاد (الأغذية، مواد البناء، العقار) وعند مراجعة أي بعد نجد أن لا علاقة له إطلاقا بالحالة الفرنسية ولكل دولة ظروفها الخاصة.
التضخم هو إشارة إلى ارتفاع السيولة لدى المجتمع ويصحب حالة النمو ويصعب أحيانا تفاديه لأن أي دولة تسعى إلى تحفيز القدرة الشرائية وخلق فرص عمل سوف تزيد القدرة الشرائية ولكن تكون النسبة للتضخم معقولة من1% إلى 3% فمثلا في أوربا ارتفعت النسبة من1.7% إلى 2.6% خلال شهر أكتوبر ويرون أنها مرتفعة وشكلت لجنة لدراسة القدرة الشرائية أما السعودية فالنسبة أعلى والتضخم من3.83% إلى 4.4% إلى 4.89% شهريا ولم تتخذ إجراءات.
البعد الأول للتضخم المحلي وهو ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 7.2% في ظل صعوبة قراءة هذا السوق ومعرفة تنظيم حركة عناصره ونوع العلاقة بين المورد والتاجر والتفاصيل المرتبطة به مثل العرض والطلب وتكلفة التخزين والشحن في دول أخرى يخضع المورد لسيطرة التاجر ويتنافس التجار على تقليص الأسعار للزبائن بل يرغم التاجر المورد أن يضع رمز التاجر (سوبر ماركت) على البضائع ويتحول التنافس بين الأسواق من السعر إلى الجودة بوجود منتجات بيولوجية تخلو من المركبات الكيميائية مثلا وعندما تتضح هذه التفاصيل لمؤسسات الدولة الاقتصادية ستسهل معالجتها.
التاجر بطبيعة الحال يسعى للربح وفي ظل غياب حدود يتحرك فيها سوف يتمادى وعندما حدثت أزمة الأرز سمعنا حججاً تقول إن العرض أقل من الطلب وإن الاستهلاك الهندي زاد ولكن ظهرت تقارير تبين أن المزارع الموجودة في الهند مملوكة للموردين السعوديين وبعد مبادرة العثيم بعدم رفع الأسعار تكون هذه الحجج قد ضعفت.
صحيح أن دول الغرب يوجد لديها نظام ضرائب يمكّنها من التعرف على كشف حسابات كل مؤسسة لكن عدم وجود ضرائب لا يلغي هذه العلاقة بين الدولة والتاجر وما المانع من ظهور مثل هذه الهيئات التي من الممكن أن تكون بها مؤسسة محاسبية أخرى قد تفتح فرص عمل لشباب كثيرين وتكون مجالاً خصباً للاستثمار وتكشف كمية هامش الربح المقبولة وهذا لصالح السوق المعني بالأمر لمعرفة صعوباته واحتياجاته ونموه وهنا تبين قدرة مؤسسات الدولة على مواجهة الأزمات وتحويلها إلى نمو وعدم الاكتفاء بعقد اجتماعات نقاشية مع التجار وكذلك ينطبق الأمر على البعد الثاني للتضخم المحلي وهو ارتفاع أسعار البناء وفي تقرير نشرته جريدة "الرياض" أن سعر الأسمنت قيمته 13ريالاً ويباع في السوق السوداء ب 21ريالاً وهذا كله يعود إلى غياب المراقبة والمتابعة وتطوير الأدوات.
نسمع أحيانا حججاً أخرى تقول إن السوق السعودي حر ولا يقبل تدخلات الدولة ولكن الدولة صرفت 25% للمقاولين لمواجهة تغير أسعار البناء أليس هذا تدخلاً من الدولة، أليس مواطنو الطبقة الوسطى بحاجة إلى من ينقذهم من الغلاء، أليس الحل الأفضل من صرف الإعانات التي قد ترهق كاهل الدولة مراقبة وتطوير تنظيم السوق أم سننتظر الغرب حتى يبتكر لنا وسيلة لحل مشاكلنا أو أخذ الحلول الأكاديمية الموجودة في أي كتاب وتكرير نفس الاسطوانة أن الغلاء يعود إلى ضعف صرف الريال أو أن السيولة الزائدة هى السبب؟
صحيح أن القروض الاستهلاكية وصلت 183.8مليار ريال وأن الاستثمار الحكومي تضاعف لكن لماذا نتجاهل وجود سوء التنظيم الذي ينبغي حله أولاً ثم نقرر مشاكل زيادة السيولة التي يفترض أن ترفع المستوى الاقتصادي ولا تضيع في ثقوب التضخم.
والبعد الثالث هو الأخطر وهو ارتفاع أسعار العقار الذي يشتكي كبار تجاره من غياب الكوادر المدربة وأن التسعير (التثمين) لا يزال أسير أبعاد تقليدية وهو مضغوط لكمية الصناديق العقارية به وهروب بعض المستثمرين من الأسهم إليه، ألا تستطيع الجهات المختصة وضع ضوابط واضحة للتسعير تبعا للمتر والموقع والحي وعدد الغرف وخلافه ويخرج هذا السوق من غموضه وتكون له مؤشرات تدرس تذبذبه تبعا لكل حي ومدينة؟ وهو لا يقل عن سوق الأسهم إذ يقدر حجم استثماراته وأصوله ب 1.3تريليون ريال ولكنه ذو طبيعة مختلفة، ألا تلاحظون أن سوق السلع الغذائية ومواد البناء والعقار يجمعهم الغموض في تفاصيلهم؟
مازن السديري
من صحافتنا لهذا اليوم..