سأتحدث اليوم لكم عن بعض السلوكيات التي نراها في حياتنا في مواقف مختلفة كل منها يعبر عن معالم تلك الفئة من الناس الديموغرافية والتعليمية والاقتصادية والثقافة والتراثية، فجميع الفئات التي سأتحدث عنها فيها المتعلمون يتجلى ذلك عندما تدخل حي من الاحياء تستنتج مباشرة بعض الاساسيات للمستوى التراثي لابناء ساكني الحي دون التحدث لاحد منهم وستعرف ان اهالي هذا الحي متعلمون قد بذلوا كثيرا من الجهد لتربية ابنائهم على الفضائل والنظام من نظاقة الشوارع والجدران من الكتابات والاوضح للصورة هي صناديق البريد الجديدة غير مهشمة والتي ستراها قد هشمت جميعها في بعض الاحياء الاخرى التي لايهتم اهل تلك الاحياء بتربية ابنائهم ولا بتعليمهم عدا وصولهم للقراءة والكتابة على جدران المنازل بأقذع السباب والشتائم.
صورة اخرى تدل على مستوى التعليم والثقافة والتراث بين بيئة واخرى بعض ما يحدث في المناسبات من الافراح تتصل او تقدم الدعوة لاحد اصدقائك يشكرك على الدعوة ويسألك ماذا ينقصك ليهديك اياه بالمناسبة او هل عاداتكم قديمة فنأتي بالذبائح (عانية) ويستجيب لدعوتك منفردا، وآخر يتصل بك ليوبخك على عدم دعوتك له ثم يسأل ما هي الوجبة التي ستقدمها وهل هي نظام (الصواني أم البوفيه المفتوح) يأتي بعد ان تجيبه بأنها دعوة خاصة ومعه عشرة اشخاص قد دعاهم هو على مائدتك وفي بعض المناسبات يأتي دون دعوة او حتى اتصال منه.
صورة اخرى عندما ترى اكتظاظ الرجال على باب صالة الطعام في قصور الافراح اوغيرها وقد يؤدي الامر الى كسر باب الصالة حين العاشرة والنصف وقت العشاء وبعض الاطفال قد داستهم الارجل وكأنك في حالة حرب او هرب من حريق او في حالة مجاعة مميتة.
ثم تقلب الصورة لترى المدعوين في حالة انسجام وهدوء يتبادلون الاحاديث باحترام على مقاعد الضيافة وحين تفتح ابواب البوفيه في الحادية عشرة لينادي المضيف (تفضلوا ياجماعة الله يحييكم) لاتجد احدا من الحضور يتقدم للطعام قبل الشيوخ والكبار مصطفون منتظمون الصغير يقدم الكبير في نظام وهدوء ستعرف آنذاك ان البيئتين مختلفتان تماما.
صورة اخرى ستصاب بالدهشة حين ترى ان البعض قد جلب معه أواني ليفرغ فيها الصحون من على طاولات الطعام ان اكتشف ان الخروج بالصحن مراقب (غير محتاج ولافقير) كما ستصاب بالغثيان حين ترى البعض الآخر بدأ بالتفتيش على طاولات الطعام كاشفا كل الأواني باحثا عن غايته من اللحم فيرفع (اللخم) اللحم من على طاولة ليجلس وحده على طاولة اخرى جديدة ثم ينتقل الثالثة الى الصالة الاخرى التي فتحت مؤخرا، هذه المناظر ليست على مستوى افراد بل على مستوى جماعات.
في المقابل تجد ضيفا قد جاء وبيده باقة من الزهور او هدية يقدمها بكل وقار ثم يجلس على طاولة الطعام فلا يمد يده عليه حتى تشغل كل مقاعد تلك الطاولة. صورة اخرى اما في صالة النساء فحدث ولاحرج ففي الوقت الذي تأتي فيه بعض النسوة بالهدية الثمينة او الوردة لتقدمها الى العروس تأتي الاخرى زوجة احد ذوي السبعة اصفار من اليمين او قل ما شئت وبرفقتها خادماتها الست يتجولن بين المدعوات لبيع ورق العنب والبليلة وسيداتهن يتجولن بين الطاولات يجمعن علب المشروبات في اكياس جلبنها معهن لهذا الغرض من امام المدعوات ليحملنه معهن الى منازلهن بالاضافة الى تفريغ الاطباق التي وضعت عليها ما يكفي لخمس نساء متعافيات في القصدير الذي خبأنه في حقائبهن.
قد يظن البعض ان هذه المناظر محض مبالغة لتتضح الصورة كما في طاش ما طاش ليس من هذا شيء وانما كل ما اوردته من صور قد رأتها العين كل شهر وهي موجودة حتى يومنا هذا ما يخص النساء فرأتها والدتي وهي ثقة عندي هذه الصورة القبيحة والجميلة وتضادها للاسف تتكرر في كل مناسبة لبيئتين مختلفتين من الناس هي تعبير صارخ للبيئة المتعلمة ذات التراث الثقافي والبيئة المتشدقة بالتراث ولاتحمل منه شيئا سوى الولوج اكثر في السلوكيات المخجلة والفجة.
فمتى سيعي الاباء والامهات انهم يورثون ما يفعلون لابنائهم فلا ينقطع السلوك (حسنا كان ام سيئا).
علي البحراني