رفع الكويت لسعر عملتها يلقي بظلاله على حلم الوحدة النقدية
يجب أن تكون الأسباب مقنعة لتتخلى السعودية عن سياستها النقدية
يقول المحللون إن قرار الكويت التخلي عن ربط عملتها بالدولار هذا الأسبوع أضفى قدرا من الواقعية على الآمال الطموحة المتعلقة بإقامة اتحاد نقدي خليجي على غرار الاتحاد الأوروبي يبدو من الصعب تحقيقه في الموعد المقرر عام 2010م.
وقالت الكويت يوم الأحد الماضي إنها ستعود لربط عملتها بسلة عملات للحد من التضخم الناتج عن انخفاض الدولار أمام العملات الأخرى متجاهلة اتفاقا خليجيا بالإبقاء على ربط العملات بالدولار حتى تحقيق الوحدة النقدية. وكان الدينار الكويتي مربوطا بسلة عملات حتى عام 2003 عندما بدأ ربطه بالدولار. وتعهدت الدول الخمس الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ومنها السعودية والإمارات أكبر اقتصاديين عربيين بالإبقاء على ربط عملاتها بالدولار. غير أن المحللين يرون الخطوة الكويتية أكثر واقعية. وقال رشدي يونسي المحلل في مجموعة يوريشيا (دول الخليج العربية غير مستعدة لتسليم السيادة على الشؤون النقدية لكيان إقليمي). وأضاف (خطوة الكويت في الفترة الأخيرة... ستضطر دول مجلس التعاون الخليجي لبحث جدول زمني جديد لإقامة الوحدة النقدية ومراجعة جدوى أهدافها الاقتصادية المعلنة).
وتبرز الكويت بين دول الخليج المحافظة بالحياة البرلمانية النشطة التي تمكن أصحاب المصالح الاقتصادية من التعبير عن مصالحهم ومن أن يكون لهم تأثير ملحوظ. وبلغ معدل التضخم في الكويت 3.7 بالمائة في ديسمبر كانون الأول و5.15 بالمائة في نهاية مارس آذار. والضغوط نفسها تشهدها السعودية حيث ارتفع التضخم إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات ليبلغ ثلاثة بالمائة في ديسمبر. وقال دبلوماسي غربي في السعودية (العائلات الكبيرة العاملة في مجال التجارة لها نفوذ أكبر في الكويت. الضغوط تولدت من جانب العائلات الكبيرة التي تضررت من التضخم).
وقال خبير اقتصادي على صلة بمجلس التعاون الخليجي لرويترز: إن استجابة الكويت للضغوط المحلية قد تجبر السعودية والإمارات على بدء التفكير في إنهاء ربط عملاتهما بالدولار. وأضاف الاقتصادي الذي طلب عدم نشر اسمه (دول المجلس الأخرى لا تعرف نظاما آخر للصرف. وعلى عكس الكويت فإنهم لا يملكون المعرفة والأدوات والموارد البشرية). وقال خان زاهد كبير الاقتصاديين في بنك الرياض إن العوامل الاقتصادية تقلل من احتمالات تحول مسار السياسة السعودية. وأضاف (الاقتصاد السعودي قادر على احتواء التضخم المستورد بحكم حجمه وبتنويع وارداته وعمالته الوافدة بعيدا عن الدول التي لا تتعامل بالدولار). وتربط السعودية عملتها عند مستوى 3.75 ريال للدولار منذ عام 1986م.
وقررت مؤسسة النقد وهي ليست مؤسسة مستقلة عدم رفع قيمة العملة في أواخر التسعينات عندما بلغ سعر النفط الذي يشكل أساس الاقتصادي السعودي أدنى مستوياته عند نحو عشرة دولارات للبرميل. وكانت موجة انخفاض أسعار النفط في التسعينات قد دفعت الدين العام للارتفاع إلى مستوى 119 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويقول المحللون إن الفوائض بالريال المتولدة عن مبيعات النفط المقوم بالدولار تحمي الاقتصاد المحلي بدرجة أكبر مما يبدو للوهلة الأولى.
والكويت الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة وتتمتع عادة بفوائض في الميزانية لا تعاني مثل هذه المشاكل. وقال زاهد (وجهة النظر المطالبة برفع قيمة الريال يجب أن تكون أكثر إقناعا حتى تتخلى السعودية عن أحد أهم أعمدة سياستها الاقتصادية).
الجزيرة .... لهذا اليوم الخميس الثامن من جمادى الاول ..
الدولار الأمريكي والعملات الخليجية
عبد المحسن بن إبراهيم البدر - الاقتصادية .. 08/05/1428هـ
أثار قرار البنك المركزي الكويتي فك ارتباط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي وربطة بسلة عملات الكثير من ردود الفعل المتباينة في الأوساط الاقتصادية بين مؤيد لذلك القرار ومعارض له، ويستند الكثير من المعارضين لفك الارتباط بين الدينار والدولار إلى سبب وحيد وهو مستقبل العملة الخليجية الموحدة المخطط لها في عام 2010، بينما يرى المؤيدون أن فك الارتباط سيسهم في قوة الدينار الكويتي أمام العملات الأخرى التي تشهد ارتفاع أمام الدولار الأمريكي.
وبالنظر إلى المبررات التي ساقها المسؤولون الكويتيون لذلك القرار إلى أن الانخفاض الكبير في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل معظم العملات الرئيسية كانت له انعكاسات سلبية على الاقتصاد الكويتي خلال العامين الأخيرين على الرغم من محاولات بنك الكويت المركزي التخفيف من تأثير تراجع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية الأخرى من خلال استنفاذ الهامش المسموح به للتحرك الصعودي في سعر صرف الدينار الكويتي أمام الدولار الأمريكي منذ بدء الارتباط في عام 2003، بالإضافة إلى أنه ساهم في تراجع القوة الشرائية للدينار الكويتي مقابل العملات الرئيسية الأخرى غير الدولار .
وهذا المبرر ينطبق تماما على الظروف الاقتصادية لدول الخليج من حيث تطابق طبيعة اقتصادياتها المعتمدة كليا على البترودولار، وكان هذا التوجه مقبولا في السابق عندما كانت عائدات دول الخليج تأتي عن طريق بيع البترول بالدولار ومن ثم الاستيراد بشكل كبير بالدولار من الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول المرتبطة بالدولار ما يجعل العملة المحلية متماسكة وبنسب تضخم معقولة. ولكن في ظل تغير المناخ الاقتصادي العالمي خلال العشرين سنة الماضية من ناحية ظهور قوى اقتصادية جديدة تزاحم الهيمنة الأمريكية الاقتصادية على الاقتصاد العالمي وتحديدا في الإنتاج جعل من العملات المحلية المرتبطة بالدولار تفقد الكثير من قيمتها في ظل البيع بالدولار والشراء بعملات أخرى كثيرة لدول النمو الاقتصادي التي باتت تزاحم الهيمنة الأمريكية وقد يكون منها شركات أمريكية تبيع بعملات أخرى غير الدولار. وبالتالي فإن العملات المحلية المرتبطة بالدولار أصبحت تواجه ضغوطا تضخمية كبيرة قد يرى بعض الاقتصاديين أنها تؤثر في النمو الاقتصادي لتلك الدول خلاف ما تجره من تبعات على المستهلك المحلي الذي بلا شك يدفع ثمن ذلك التضخم في أسعار صرف العملات. وحتى مع النمو العالمي الكبير في الطلب على البترول فإن ذلك ما زال يأتي بالدولار الأمريكي بينما الواردات تأتي بعملات مختلفة ترتفع بشكل تدريجي أمام الدولار وبالتالي أمام العملة المحلية، وهنا فإن التغير في قيمة الدولار أمام العملات الأخرى يضيف نسبا تضخمية على العملات الخليجية في ظل تراجع القوة الشرائية لها مقابل العملات الرئيسية الأخرى غير الدولار.
ومن وجهة نظر استثمارية اقتصادية، فإن ذلك يعود إلى أسباب كثيرة أرى أن الاستثمار الأجنبي كان هو المحرك الرئيسي لها بشكل أسهم في تغيير التركيبة الاقتصادية العالمية. استنادا إلى نظرية الاستثمار الأجنبي فإن رؤية شركات الأعمال الأمريكية على سبيل المثال للاستثمار الأجنبي هي لرفع مستويات الربحية من حيث الدخول إلى أسواق جديدة، إما ذات كلفة إنتاجية أقل أو مميزات سوقية ترتبط بحجم الأسواق المحلية والإقليمية. وأدى هذا التوجه إلى تغيير في التركيبة الاقتصادية الإنتاجية العالمية على مرحلتين نوجزهما على النحو التالي.
أولا، دخول تلك الاستثمارات الأجنبية إلى دول جديدة جعل إنتاج تلك الشركات يخرج من الإنتاج المحلي الأمريكي ويصبح في صالح الناتج المحلي لتك الدول مع بقائه إلى حد ما في الإنتاج الوطني الأمريكي، وهذا لا يخدم القوة الاقتصادية للعملة الأمريكية بحيث تقوم تلك الشركات بالبيع بعملة الدول التي تعمل بها.
ثانياً، دخول تلك الاستثمارات أسهمت بشكل كبير في نقل التقنية والإدارة إلى الدول المحتضنة لتلك الاستثمارات وكذلك حاجة تلك الاستثمارات إلى صناعات مساندة ما ساهم في إيجاد بيئة أعمال قادرة على التطور وبالتالي انعكس ذلك على اقتصاد الدول المحتضنة وزيادة ناتجها المحلي وزيادة صادراتها بغير الدولار.