الإجابة الرسمية على السؤال الوارد في العنوان، موجودة في مقدمة كل من الخطط الخمسية الثماني الصادرة، وهي تذكر بوضوح أن الاقتصاد السعودي يتبع سياسة الاقتصاد الحر، ولكن هناك من الشواهد، والتصرفات، والإجراءات، ما يجعل اقتصادنا اقرب إلى الاقتصاد الموجه، واليكم الأمثلة: فكرة الخطط الخمسية هي بحد ذاتها جزء من فكر وفلسفة الاقتصاد الموجّه، أما الاقتصاد الحر فيترك لعوامل السوق (العرض والطلب) أن توجه الاقتصاد، وان كان للدولة من رغبات محددة، فيمكنها أن تتبناها كمبادرات، بدون أن توجه كامل الاقتصاد في اتجاه معين.
صحيح أن طبيعة الاقتصاد السعودي، وهو يعتمد بشكل أساسي على دخل البترول الذي تملكه الدولة، ومن ثم كتحصيل حاصل، أصبحت الدولة اكبر محرك للاقتصاد الوطني من خلال برامجها التنموية، ولكن تلك الخاصية أيضاً، جعلت البيروقراطية الحكومية متنفذة، وغير قابلة للتنازل عن سلطتها، حتى عندما اقترح تخفيف الأعباء المالية عن الدولة، من خلال عملية تخصيص قطاعات معينة (عددها 22 قطاعا)، تمنعت البيروقراطية وماطلت، حتى تحسنت الظروف المالية للخزينة، ومن ثم تأخر برنامج التخصيص. مثل آخر يتمثل بالعاطفة الشديدة التي نملكها كمجتمع، تجاه أية حالة إنسانية تنتج عن فشل أية شركة أو مؤسسة في المنافسة، ومن ثم تضطر إلى إغلاق أبوابها، وتسريح عمالها، ولذلك نجدنا كمجتمع ننسى مبدأ الاقتصاد الحر للحظة، ونحاول إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه، ولنأخذ على سبيل المثال الأزمة المالية التي تمر بها إحدى المؤسسات الصحافية، والتي لو نظرنا إلى موضوعها من زاوية فلسفة الاقتصاد الحر، فسنجد أن نظام الصحافة السعودي هو نظام فريد وغريب، نشأ في ظروف استثنائية، ولذلك هو هجين بين نظام الشركات التجارية، وبين نظام المؤسسات الحكومية، فهناك ملاك، مؤسسون، منتقون، يهتمون بالجانب المالي، وهناك الجانب المهني الإعلامي، وذلك يخضع بصفة مباشرة، أو غير مباشرة للإشراف الحكومي (وزارة الإعلام).
وبشكل عام نجحت اغلب المؤسسات الصحافية بسبب عددها المحدود، والاحتكار الممنوح لها (علمت من احد مؤسسي إحدى المؤسسات الصحافية الناجحة، انه استثمر عشرة آلاف ريال في منتصف الستينات الميلادية، ورفض مؤخرا عرضاً قيمته ستون مليون ريال لذات الأسهم) ! ولذلك أتساءل إذا كانت مؤسسة صحافية، وهي جزء من نادي خاص، محتكر لتلك الخدمة، ومع ذلك فشلت مجالس إداراتها، وإداراتها التنفيذية المتعاقبة في المنافسة، وطالما إننا نؤمن بفلسفة الاقتصاد الحر، فلماذا نرفدها صناعياً؟ ولماذا لا نتركها تفلس، وبالمقابل نفتح مجال المنافسة بمنح المزيد من التراخيص، ونترك عوامل السوق تفرز الصالح من الطالح ؟
أما بخصوص الجانب الإنساني المتعلق بالموظفين المسَرحين، فإن فتح باب المنافسة لمزيد من المؤسسات الصحافية، هو بحد ذاته كفيل بتوظيف العمالة المتميزة والمتمرسة، وربما على أُسس افضل. اعتقد أننا أمام تحد كبير، وهو أن نتوقف ملياً، ونسأل أنفسنا: هل نريد اقتصاداً قائماً على أساس الاقتصاد الحر، أو الاقتصاد الموجّه؟ ولكل من الخيارين تبعات، والتزامات طويلة الأجل.
سليمان محمد المنديل