المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي ، من مصر ، ذكر عن نفسه أنه حبشي الأصل ، أرّخ أحداث حملة نابليون على مصر وتولية محمد علي باشا ؛ في كتابيه : مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس ، وعجائب الآثار في التراجم والأخبار ، كان أبوه من علماء الأزهر ، مات سنة 1236 هجرية ( 1822 م )0
قال عن وقوع الطاعون في مصر والشام سنة 1215 هجرية ( 1800م ) :
ومنها وقوع الطاعون بمصر والشام وكان معظم عمله ببلاد الصعيد 0
أخبرني صاحبنا العلامة الشيخ حسن المعروف بالعطار المصري نزيل أسيوط مكاتبة ونصه :
ونُعرّفكم يا سيدي أنه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يُعهَد ولم يُسمَع بمثله وخصوصاً ما وقع منه بأسيوط 0
وقد انتشر هذا البلاء في جميع البلاد شرقاً وغرباً ، وشاهدنا منه العجائب في أطواره وأحواله ، وذلك أنه أباد معظم أهل البلاد ، وكان أكثره في الرجال سيّما الشبان والعظماء وكل ذي منقبة وفضيلة ، وأُغلقَتْ الأسواق وعزّتْ الأكفان وصار معظم الناس بين ميت ومشيّع ومريض وعائد ، حتى أن الإنسان لا يدري بموت صاحبه أو قريبه إلا بعد أيام ، ويتعطل الميت في بيته من أجل تجهيزه ؛ فلا يوجد النعش ولا المغسّل ولا من يحمل الميت إلا بعد المشقة الشديدة ، وإن أكبر كبير إذا مات لا يكاد يمشي معه مازاد على عشرة أنفار تُكتَرَى0
ومات العلماء والقراء والملتزمون والرؤساء وأرباب الحِرَف ؛ ولقد مكثت شهراً بدون حلق رأسي لعدم الحلاق 0
وكان مبدأ هذا الأمر في شعبان ؛ وأخذ في الزيادة في شهر ذي القعدة والحجة ؛ حتى بلغ نهايته القصوى ، فكان يموت كل يوم من أسيوط خاصة زيادة على الستمائة ، وصار الإنسان إذا خرج من بيته لا يرى إلا جنازة أو مريضاً أو مشتغلاً بتجهيز ميت ، ولا يسمع إلا نائحة أو باكية ، وتعطلت المساجد من الأذان والإمامة لموت أرباب الوظائف واشتغال من بقي منهم بالمشي أمام الجنائز ، وتعطل الزرع من الحصاد ونشف على وجه الأرض وأبادته الرياح لعدم وجود من يحصده ، وعلى التخمين أنه مات الثلثان من الناس ، هذا مع سعي الأعراب في البلاد بالفساد والتخويف بسبب خلو البلاد من الناس والحكام 0
إلى أن قال : ولو شئت أن أشرح لك يا سيدي ما حصل من أمر الطاعون لملأْتُ الصحف مع عدم الإيفاء ، وتاريخه ثامن عشرين الحجة سنة 1215 هجرية 0
انتهى 0تقبلوا تحية محبكم : المواصل 0