اعترافات حمار
خالص جلبي - 28/08/1427هـ
kjalabi@hotmail.com
العالم الذي نعيش فيه اليوم غابة. وكما ينص قانون الغابة أن (القوي يأكل الضعيف) كذلك الحال في غابة الأمم المتحدة، ومجلس (الرعب) عفواً مجلس (الأمن). روسيا تبتلع الشيشان، والعراق التهم الكويت، وأمريكا بدورها تلتهم العراق.
وكما تنوعت الحيوانات في السفاري، كذلك الحال في الغابة العالمية.
وفي عالم (الحيوان) يتعرف المرء بسرعة على الكائن من جلده وأنيابه، ولكن في عالم (الإنسان) يبتسم الرأسمالي بأسنان بيضاء.
وصدق (جورج أورويل) في كتابه عن المزرعة أن الخنازير هم الذين سيديرونها، ويسيطرون على الجميع بكلاب شرسة مدربة على العضاض.
ويقول (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة) إن "عالم السلطة يتحرك بآلية الغابة ففيه الذين يعيشون بالصيد والقتل، وهناك مخلوقات كالضباع ونسور الجيف تعتاش من صيد الآخرين".
وعندما كانت روما تصلب سبارتاكوس كان في نظرها إرهابيا. و(هتلر) مجرم ولكن لو فاز في الحرب لقرأنا نسخة مختلفة للتاريخ. وعندما وقع (ترومان) بقرار واحد على مسح مدينتين يابانيتين اعتبر بطلاً قوميا.
ومن أعجب ما حدث في سبتمبر أن كل شيء نوقش ولكن لم يجرؤ أحد أن يناقش (لماذا؟) حصل ما حصل؟ وأهمية مناقشة (لماذا) هي في المعالجة (السببية) وليس (العرضية) لأنه قابل للتكرار.
وحينما يصاب المريض بارتفاع حرارة بسبب الملاريا قد تنفعه حبة الإسبرين، ولكن الحرارة ستعود ما لم يعالج (سببيا) فيأخذ المريض دواء (الكينين).
والمعالجة الأمنية حبة إسبرين، والعدل يولد الأمن، ومن الأمن تولد الحريات.
والعالم اليوم لم يعد كما كان قبل 11 سبتمبر فكما أدخلت أمريكا الرعب على الناس، فقد أصيبت هي برعب أشد، فلم تعد أمريكا أرض الحريات كما كانت.
والتاريخ يكتبه الأقوياء. وفي معركة (بالاكلافا) في (القرم) عام 1854م كان الأتراك من قاوم الروس ومن انهزم كانت الخيالة البريطانية ولكن ما نشر في تلك الأيام قبل 150 سنة أن التركي حمار والبريطاني أسد مغوار.
جاء في كتاب (أفضل الخرافات) لـ (جان لا فونتين) أن طاعونا ضرب الغابة فأصابها المحل والقحل. فقام الأسد فقال أيها القوم يجب أن نعترف بذنوبنا فنقدم الأضاحي. وسأكون أول المعترفين: أعترف لكم أنني لم أقاوم شهيتي فأكلت الكثير من الخرفان. مع أنها لم تؤذني قط، بل لقد عرف عني أنني كنت أتذوق لحوم الرعاة وكأنها فطيرة محشوة؛ فإذا دعت الحاجة فأنا مستعد للموت، ولكنني أظن أن على الآخرين أيضاَ أن يعترفوا بذنوبهم؟ همهم الجميع: نعم .. نعم. قفز الثعلب وقال: كيف تقول ذلك يا ملك الغابة. إن وساوسك هذه لمرهفة الإحساس أكثر مما ينبغي. ولعمري إن الخراف قطعان نجسة فظة تستحق أن تفترسهم ومعهم الرعيان؟ هكذا تكلم الثعلب فضجت الغابة بالهتافات بحياة ملك الغابة. ولم يجرؤ أحد على مراجعة ذنوب النمر والدب والذئب والثعلب والضباع. فقد اتفق الجميع أن كلاً منها قديس لا يلمس. وهنا وقف الحمار فقال يا قوم أريد أن أعترف: لقد مررت بجانب دير فأعجبني اخضرار العشب فقضمت منها قضمة بعرض لساني وملء فمي وكذلك سولت لي نفسي .. بصراحة .. وهنا ارتفعت أصوات الاستهجان تندد بالحمار المجرم وشهد (ثعلب) عنده علم من الكتاب فصاح: أيها الحمار اللعين لا تتابع فقد عرفنا مصدر البلاء. وشهدت بقية حيوانات الغابة أن الحمار فعلاً منكر الصوت قبيح الرائحة متقرح الجلد فظ الأخلاق. فحكموا عليه بالشنق. فكم هو وضيع بغيض الاستيلاء على عشب الآخرين؟ فاقتيد الحمار للموت وهو ينهق بأعلى صوته.
وقصة بوش والعالم اليوم مسرحية مسلية من هذا النوع.
http://www.aleqtisadiah.com/article.php?do=show&id=3279