.
.
.
لو ولدت سعودياً.. ماذا أفعل؟
لي كوان يو
لو ولدت سعودياً لطرحت سؤالاً مفاده، ما الذي سيزيد من أهميتي بالنسبة لدول العالم؟ حتماً إنه ليس رملي ولا جمالي بل إنه بترولي، فهذا المورد مورد نادر جداً. والسؤال هو كيف نفعِّل قيمة هذا البترول مع ندرته في المستقبل؟
بهذه الكلمات، بدأ لي كوان يو، باني دولة سنغافورة الحديثة، خطابه أمام منتدى التنافسية العالمي الذي جرت فعالياته خلال الفترة 20- 22 يناير 2008م الماضي في العاصمة السعودية الرياض.
وقال لي كوان يو مخاطباً الحضور؛ أريدكم أن تقيموا صناعات تسمح لمواطنيكم بالاستثمار فيها، ولابد أن ترسلوا أبناءكم للعمل في الدول المتقدمة ثم العودة إلى تأسيس أعمال صناعية ومصارف إسلامية جديدة في بلدكم، فالمهم أن تتعلموا كيفية استثمار احتياطكم البترولي وكيفية إدارة مواردكم لتحقيق أكبر فائدة ممكنة.
وأضاف يو؛ لقد أدركنا الحكمة الصينية التي تقول سنة واحدة ضرورية لكي تنمو بذرة قمح، وعشر ضرورية لكي تنمو شجرة، ومائة ضرورية لكي ينمو إنسان، وعملنا على إنتاج مجتمع آمن ومستقر، وركزنا على الثقافة والفنون، فتمكنَّا من تكوين أشخاص قادرين على اختيار مواقعهم ووظائفهم يؤمنون بأن الحياة تستحق العناء من أجلهم وأجل أبنائهم.
وحول الوضع في المملكة العربية السعودية، قال يو؛ أنتم في بلادكم لن تجدوا صعوبة في تطوير التعليم من التعليم الديني إلى التعليم العلمي الذي ينقلكم إلى مراتب متقدمة من التطور، فبالنسبة لكم العالم القديم كان مكوناً من بدو وجمال ولكن الآن أمامكم خيارات عظيمة لتطوروا أسلوب حياتكم، وأمامكم الفرصة المواتية لأن تتساءلوا عن كيفية تطوير حياتكم واقتصادكم لكي تعيشوا حياة ذات مستويات مرتفعة للغاية بعد حقبة البترول.
وانفرد لي كوان يو لأكثر من 60 دقيقة بالحديث وحده أمام جموع غفيرة من الحضور، يقدر عددهم بألف رجل وامرأة، كانوا يتطلعون إليه بإعجاب ولهفة شديدين، وهو يروي قصة نهضة سنغافورة من على منصة منتدى التنافسية العالمي.
وتأتي أهمية هذه الكلمات كون قائلها هو لي كوان يو، صاحب معجزة دولة سنغافورة الحديثة، والذي قاد مسيرتها نحو الاستقلال وترأس حكومتها لأكثر من ثلاثة عقود من عام 1959م إلى 1992م.
ويعرف يو على نطاق واسع بصانع معجزة سنغافورة التنموية وارتقائها من بلد نام في العالم الثالث، على حد تعبيره، إلى مصاف الأمم المتحضرة في العالم الأول.
ففي ظل قيادته، تحولت سنغافورة إلى أنشط ميناء بحري في العالم، وثالث أكبر موقع لتكرير البترول، ومركز عالمي رئيسي للصناعات التحويلية والخدمات، ليرتفع بذلك المتوسط السنوي لدخل الفرد الحقيقي فيها من أقل من 1000 دولار أمريكي إلى قرابة 30.000 دولار أمريكي خلال ثلاثة عقود فقط.
وتمثل رحلة الصعود المذهلة لسنغافورة واحدة من معجزات القرن العشرين الميلادي الماضي. فعند استقلال سنغافورة في مطلع الخمسينيات الميلادية كانت عائدات القاعدة العسكرية البريطانية تمثل ثلاثة أرباع دخلها القومي مما عزز التشاؤم حول قدرة هذه الدولة الصغيرة على النمو بمفردها والدخول الى مصاف الدول المعترف بها.
كيف تحققت المعجزة؟
قال يو أمام منتدى التنافسية العالمي؛ منذ 25 عاما أحضر زملائي العالم (سيدني بريمير) للقائي، وكان عالماً متخصصاً في علم الميكروبات، وشرح لي أن دولة صغيرة كسنغافورة إذا كانت لديها عزيمة وتبنت تطوير هذا العلم فإنها ستصبح ذات شأن لأن هذه العلوم أساسية للتقنية، فقلنا فلنحاول وبدأنا بتأسيس المعهد العلمي للجينات البيولوچية واستقدمنا خبراء من بريطانيا والسويد واليابان ووسعنا عملنا معهم. ولأننا عملنا على مستوى دولي، فقد كان الاتصال معهم سهلاً وأصبحت لنا صناعة طبية متطورة للعقاقير.
وتابع يو؛ فنحن نجتذب المهارات من جميع مناطق العالم ونستخدم علماء يتحدثون اللغة الانجليزية، حيث أننا من خلال هؤلاء الأخصائيين المهرة وبفضل تعاونهم معنا حققنا أكبر استفادة. وجدير بالذكر أن نبيِّن أن الذين يأتون إلينا ويلتحقون بدراسات إنسانية في بلادنا، فإن بعضهم لا يعود لبلاده لأنهم يحصلون على ما يريدون ـ وهكذا ننمو بسرعة.
وقد اعتمدت سنغافورة في تحقيق معجزتها على بناء الانسان وقبله الاعتماد على القيم الحضارية والتاريخ والتقاليد ومن ثم الانطلاق إلى الأخذ بمقومات بناء دولة حديثة لا تعرف حدوداً للتطور، وقد نجحت التجربة بالفعل. والآن يبلغ عدد سكان سنغافورة، الجزيرة الصغيرة النائية، نحو 4.3 مليون نسمة، يصل دخل الفرد منهم إلى 30 ألف دولار أمريكي، وهو يمثل أعلى دخل في العالم.
وتضم سنغافورة أكثر من 700 مؤسسة أجنبية و60 مصرفاً تجارياً، إضافة إلى بورصة مزدهرة لتبادل العملات الصعبة بحدود 60 مليار دولار أمريكي سنوياً، إضافة إلى إيمانهم الكامل بحقيقة اقتصادية واحدة لا يمكن أن يختلف عليها السنغافوريون.
ماذا عملت سنغافورة؟
تبنت نظاماً حازماً لتحديد النسل، حيث لم تتجاوز نسبة زيادة السكان 1.9% في عام 1970م و1.2% في عام 1980م، مما جنب البلاد كارثة الانفجار السكاني الذي يعرقل التنمية.
ولكن ما إن أصبح الاقتصاد السنغافوري في حاجة إلى مزيد من الأيدي العاملة المؤهلة، حتى غيرت الدولة سياستها السكانية في الاتجاه المعاكس باعتماد برنامج جديد يهدف لتحفيز المواطنين لزيادة النسل، حيث خصصت له ميزانية تقد بـ 300 مليون دولار أمريكي.
لي كوان يو
وهذا التغير في السياسة السكانية لسنغافورة ناتج عن أن كل مولود جديد في مرحلة التخلف يعني عبئاً على الاقتصاد، بينما في مرحلة النمو والتقدم ومع توفر الخدمات التعليمية والصحية اللازمة للأطفال، فإن ذلك يجعل منهم ثروة بشرية تدفع بدورها عجلة الاقتصاد إلى الأمام.
عممت التعليم وتحديثة باعتماد أفضل المناهج في العالم، حيث تتصدر سنغافورة الأولمبياد الدولي في امتحانات المواد العلمية.
اعتمدت بيروقراطية صغيرة الحجم ذات كفاءة عالية (قوامها حوالي 50 ألف موظف لا أكثر) وعلى درجة كبيرة من المهنية والتعليم والثقافة.
حرصت أن يتم التعيين في الوظائف عبر مناظرات عامة مفتوحة للجميع، بحيث يحصل موظفو القطاع العام على رواتب تنافسية مثل القطاع الخاص إن لم يكن أعلى (200 ألف دولار أمريكي راتب سنوي للوزير كمثال)، إلى جانب الشفافية وانخفاض نسبة الفساد الاداري والمالي إلى حد أن سنغافورة تتصدر المراتب الأولى لمؤشر الشفافية الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.
الإنجاز ودلالاته
حين استقلت سنغافورة لم يتوقع أحد أن تتحول هذه الجزيرة الصغيرة إلى حاضرة عالمية مزدهرة تضم أنجح شركة طيران في العالم، وأفضل مطار جوي، وأنشط ميناء بحري، وأن تحتل المرتبة العالمية الرابعة في متوسط دخل الفرد الحقيقي
وتعد سنغافورة الآن من أكثر بلدان العالم نظافة، فشوارعها أكثر نظافة من مونت كارلو، ومبانيها أكثر حداثة من ناطحات نيويورك. وهي من أكثر بلدان الأرض أمناً ومن أكثرها اطمئناناً. وهي نموذج في المحافظة على البيئة ومثال في المحافظة على مستوى المعيشة. إنها تتقدم الآخرين في كل شيء.
لقد كان من المذهل إقامة مثل هذه الدولة في فقر آسيا قبل أربعة عقود. غير أن لي كوان يو، الذي جاء من أوكسفورد إلى المستعمرة البريطانية السابقة، كان يحلم بأن يبني وطناً للناس وليس له. ولذلك بنى المصانع لا الاذاعات. وأمر الناس بالعمل لا بالاصغاء إلى الاذاعة. وأغلق السجون ليفتح المدارس. وأقام في آسيا نموذجاً مناقضاً لكتاب ماو الشيوعي وثوراته الثقافية. ولم يسمح للمذابح لدى الجارة الإندونيسية بالتسرب إلى بلاده. وطبّق حكم القانون لكنه لم يحول بلاده إلى سجن تطعم فيه الفئران كوجبات دسمة، كما لدى جارته بورما. كان لي كوان يو خليطاً سحرياً من آداب الماضي وآفاق المستقبل.
وكان قبل أي شيء حريصاً على الكرامة البشرية، فحارب الفقر بالدرجة التي عارض فيها نفوذ أمريكا. وجعل لكل مواطن بيتاً بدل أن يكون لكل ألف مواطن كوخ من الصفيح.
انتهى
.................
الانفتاح بدون مفتاح ..
•رافق التطورات الأخيرة ومنذ دخول القرن الحادي والعشرين علينا كم هائل من العادات والتقاليد والمصطلحات غير المتعارف عليها، أتت بها رياح التغيير والحاجة للتطوير وأهمية التدوير علشان هذه الدنيا تبقى تسير وهذا البشر اللي فيها تستنير، ومما جاءت به مصطلحات الموجة الجديدة قائمة طويلة من الأسماء العجيبة الغريبة نقتطع منها أمثلة للتوضيح فقط أسماء مثل «العولمة والخصخصة والسوق المشتركة والتجارة الحرة وغسيل الأموال أو تبييضها، ومنها أيضا مصطلح الانفتاح والذي جاءنا بدون كتيب إرشادات أو كتالوج يشرح طريقة استخدامه فأصبحنا مع الأيام نجد صعوبة حقا في تقييم مفهوم صحيح لكلمة الانفتاح هذه، وقد يختلف الناس بجميع مستوياتهم عليها وربما تكون هذه الكلمة المفردة من معضلات الكلم الذي لا يتفق اثنان على معناها، فقلما تجد أحدا يعطيك معنا متفقا عليه لها، فالكل له تفسيره وله هدفه من وراء تفسير هذه الكلمة، وللطرافة فإنك لا تجد زوجين أو زميلين أو رفيقين أو حتى اثنين بنفس المستوى الفكري والثقافي تقريبا متفقين على تفسير كلمة الانفتاح بمعنى واحد بل تراه منحرفا ولو قليلا عن الآخر، ونستعرض معكم بعض معاني ومناقضات هذه الكلمة العجيبة.
• مفهوم الانفتاح لدى البعض هو قبول التعايش مع الآخرين وعدم الاستبداد أو الاستئساد بالرأي الشخصي والاستهزاء برأي الغير، هو أن لا نعيش منغلقين متفاخرين لما وصلنا عليه من علم أو مهارة أو معرفة ونرفض الاطلاع على ما لدى الآخرين والاحتكاك بهم ولو من باب التجربة، فهناك من يرون في الانفتاح معنى بقبول التطور وتطبيق مفاهيم وقيم تساعد على الحياة بشكل أفضل وتنفيذ التغير بشكل أحسن، والبعض يرى أن الانفتاح هو التعاون مع الغير والاستفادة من خبرات ومهارات الجميع من اجل وضع أسس وتطوير نظم وتطبيقات ترتقي بجميع مراحل الإنتاج وزيادة المبيعات والأرباح وبالتالي تحسين مستوى الدخل والمعيشة والتي بدورها ستنصب على كل زوايا الحياة، والتجارة في إطارها العام هي دعوة صريحة للانفتاح وإلا كيف نتاجر في أي سلعة مع الآخرين أن لم يكن لدينا الرغبة والمقدرة على التواصل معهم والاحتكاك بهم واستيعاض ما لدينا بما لديهم من بضائع وسلع وأموال وغيرها.
• الانفتاح لدى الأفراد لا يوازيه مفهوم الانفتاح لدى الجماعات فالاعلام المفتوح والتسوق الاجتماعي والسوق المشتركة كلها تتعلق بالانفتاح وحتى منظمة التجارة الدولية بحد ذاتها من أنواع الانفتاح، فلو جئنا لتطبيقات الاعلام فاننا نرى اليوم أجهزة البث المرئي والصوتي صارت مفتوحة وتبث برامجها على مدار الساعة في الوقت الذي كانت تداوم 6 إلى 8 ساعات فقط من قبل فلا هناك راديو بعد الثانية عشرة مساء ولا تلفزيون قبل الرابعة عصرا، أما الاعلام المقروء فقد جعل المطبوعات مثل الجرائد والمجلات تصل إلى أقصى بقاع العالم ويمكن لو فيه موزعون لهم بالقطب الشمالي أو الجنوبي لرأيت الجرائد بين البطاريق، وصارت الصحف تطبع أيام الجمعة وفي العطلات الرسمية بينما كانت تغلق أبوابها من قبل وكأنها ورشة أو مصبغة، أصبحت جميع الوسائل الإعلامية تعلن عن نفسها في مواقع الإنترنت وصفحات الشبكة العنكبوتية وكأنها تنافس نفسها بإعلانها في مواقع الغير دعاية لها، وحتى الأفلام والمسلسلات والبرامج الترفيهية أصبحت تفصل تفصيلا لا لغرض التسلية والمعرفة فقط بل لغرض جذب أكبر عدد من المعلنين من أصحاب الماركات الدعائية ذات الثقل وصرنا بدل ما نتفرج على مسلسل أو برنامج نتسلى فيه، نجلس نطالع ونراجع ونتفحص هذه الماركات التي تضج علينا تسليتنا كل شوية لتجعل من برنامجنا المفضل برنامج دعايات لا أكثر!.
•انه من الغريب بأن انفتاح التجارة والأعمال قد جرى وتطور أسرع من انفتاح العقول والأذهان فبعضنا يتقبل وبدون أي حرج أن يرد على أي مكالمة تسويقية تأتيه من سيدات بائعات أو أن يناقش ويتفاوض على سلعة ما أو برنامج خيري أو نشاط اجتماعي أو مقابلة صحفية مع احدى المختصات أو أن يتجول في أماكن تتكون بيئة العمل فيها من الموظفين والموظفات كالمستشفيات وقد لا يمانع بنفسه أن تكون بينهم أو لديهم زميلات في العمل من أي من الجنسيات ولا يتحرج أن يناقش ويجادل الصحفيات والمنسقات للبرامج والجمعيات ولكنه على الطرف النقيض لا يرضى بل يصر على أن لا تنخرط أي من معارفه من البنات والسيدات من ذوات الخبرة والخريجات في أي من هذه المجالات، وفي بعض البلدان خصصوا سيارات أجرة بلون خاص لنقل السيدات من باب الخصوصية لهن ولراحتهن وبالطبع فان من يقود هذه السيارات هن سيدات سائقات عاملات، بينما نحن نرى في سيارات الأجرة والتي يقودها سائقون من جميع الماركات البركة والكفاية، بعضنا لا يتحرج أن يجلس عاطلا بلا عمل شهورا قابعا في منزل العائلة ينتظر فرصة عمل ويقبل أن يكون عالة على عائلته يأكل ويشرب وينام مجانا فترة طويلة ولكنه يتحسس عندما تأتيه وظيفة متواضعة ليشق فيها طريقه لحين ما يكتسب الخبرة وتطلع له الوظيفة الجيدة المناسبة فتراه يرفض ويتأمر ويولول ويتزمجر «أنا ما أشتغل إلا بوظيفة مدير ولا أقبل إلا براتب كبير! وهذه نومة».
• وهناك من يقاوم أي شيء يختلف معه سواء داخل العمل أو خارجه وتركيزه منصب على رفض الآخر فهو ليس مقتنعا بأن يسمع لك فكيف تريده أن يتعايش معك متناسيا أو متجاهلا أن رياح الانفتاح قدمت بل يمكن مرت من بين يديه ولا زالت تهب بنفحاتها في جميع سبل العيش ولا يوجد بيده ما يستطيع صدها فنحن كائنات اجتماعية بطبيعتها ونعتمد في بقائنا واستمرارنا على تواصلنا مع الآخرين ولولاهم لما حققنا ما وصلنا اليه وقد لا نستطيع التقدم خطوة واحدة جديدة بدون التكاتف والتعاون وفتح المجالات وإعطاء الفرص، ونحن أحوج ما نكون اليوم لاستقطاب هذه المعرفة وهذه التجارب وتبادلها مع الغير وأيضا ترك المزيد من الفرص لبناتنا وأخواتنا لتجربة هذا الانفتاح والذي أصبح داخلنا بدون إذن فلم يطرق بابا أو يفتح بمفتاح!