لقد حث النبي ( علي تعمير الأراضي واستصلاحها، فقال:"من أحيا أرضًا ميتة فهي له" [البخاري]. وقال: "من أعمر أرضًا
ليست لأحد فهو أحق بها" [البخاري وأحمد والبيهقي].
احياء الموات
مشروعية احياء الموات :
شرع الإسلام إحياء الموات و استصلاح الأراضي و تعميرها ؛ لأن في ذلك مصلحة للفرد والمجتمع ، حيث يستفيد الأفراد
من زراعة الأرض و من السكن فيها ، و حيث يزداد الإنتاج الزراعي فيكفل للمجتمع الحياة الرغدة ، و يساعد علي التغلب
علي بعض المشاكل التي يمكن أن يعاني منها كمشكلة التضخم السكاني و مشكلة الغذاء و مشكلة الايدي العاملة
فاتساع الاراضي المزروعة يستلزم عاملة كثيرة .و يختلف احياء الأرض عن اقطاعها لشخص ، فإحياء الأرض هو أخذ هذه
الأرض بقصد استصلاحها ، وبعد الاستصلاح تصير هذه الأرض ملكًا لمستصلحها، ولا يجوز انتزاعها منه أو التعدي عليها.
سواء كان هذا الاستصلاح بإذن الحاكم أم بغير إذنه، فالإحياء سبب الملكية. أما الإقطاع فهو أن يقطع الحاكم العادل
بعض الأفراد من الأرض الميتة والمعادن أو المياه للمصلحة، وقد أقطع رسول الله ( الصحابة، وأقطع من بعده الخلفاء
الراشدون -رضي الله عنهم-.فعن عمرو بن دينار قال: لما قدم النبي ( أقطع أبا بكر وأقطع عمر بن الخطاب -رضي الله
عنهما-ولا يجوز للحاكم أن يقطع أحدًا إلا ما يقدر علي إحيائه، لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقًا علي المسلمين.
وإقطاع الأرض لا يعني تملكها، وإنما يعني أن لمن أقطعت له الحق في الانتفاع بها وإن شاء الإمام أن يستردها في
أي وقت جاز له ذلك لمصلحة يراها وقد حث النبي ( علي تعمير الأراضي واستصلاحها، فقال:"من أحيا أرضًا ميتة فهي
له" [البخاري]. وقال: "من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق بها" [البخاري وأحمد والبيهقي].
ويشترط لاستصلاح الأرض ما يأتي :
1- ان تكون الأرض في بلاد المسلمين: فإن كانت بلاد غير المسلمين فلا يحق استصلاحها إلا بإذن أهل هذه البلاد.
2- ألا تكون الأرض المراد إحياؤها ملكًا لأحد: مسلمًا كان أو غير مسلم، فإذا تبين له بعد ذلك ملكيتها لأحد من الناس
فعليه أن يطلب منه مقابل استصلاحها أو يشتريها من صاحبها.
3- ألا تكون الأرض قريبة من العمران: فلا تكون مرفقًا من مرافقه. كالشوارع والحدائق والنوادي التي يجتمع فيها الناس
وغير ذلك.
4- أن يكون الاستصلاح بإذن الحاكم أو نائبه: اتفق الفقهاء علي أن الإحياء سبب الملكية، ولكنهم اختلفوا في اشتراط
إذن الحاكم، وأكثر العلماء علي أن من أحيا أرضًا فهي له ولورثته من بعده، وعلي الحاكم أن يسلم بملكيتها له، ولا
يجوز له انتزاعها منه أو التعدي عليها، وذلك لقول رسول الله ( فيما رواه عنه جابر بن عبد الله:"من أحيا أرضًا ميتة
فهي له"[البخاري].
فإذا توفرت هذه الشروط كان للرجل أن يبدأ في استصلاح الأرض والانتفاع بها وبما حولها من المرافق التي يحتاج
إليها.
ولا بد من توفر النية لاستصلاح الأرض الموات لدي الراغب في الاستصلاح، والنية لا تتأكد بمجرد أن يقوم بتنقية الأرض من
العشب والحشائش مثلاً وإنما تتأكد بزراعة الأرض أو بالبناء عليها أو ما شابه ذلك. وإذا ترك المستصلح الأرض ثلاث
سنوات دون استصلاح؛ انتزعت منه، فقد أعطي النبي ( لقوم من جهينة أو مزينة (قبيلتان) قطعة أرض، فلم يستصلحوها
فجاء قوم آخرون فاستصلحوها. فتخاصموا إلي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: لو كانت مني أو من أبي بكر
لرددتها (أخذتها)، ولكنها قطيعة (عطية)رسول الله ( ثم قال: من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنين فلم يعمرها وعمرها
قوم آخرون فهم أحق بها.و إن كانت الأرض التي أخذها المستصلح كبيرة فلم يستطع استصلاحها كلها؛ أخذ منه ما لم
يستطع استصلاحه، و ترك له ما استصلحه . فقد روي عن بلال بن الحارث أن رسول الله ( أقطعه العقيق (وادي بالمدينة
المنورة) أجمع، فلما كان زمان عمر بن الخطاب قال لبلال: إن رسول الله ( لم يقطعك ؛ لتحتجزه عن الناس ، انما اقطعك
لتعمل ، فخذ منها ما قدرت علي عمارته ، ورد الباقي.[البيهقي] .
والإحياء هو قلع ما فيها من عشب , أو شجر , أو نبات , بنية الإحياء , لا بنية أخذ العشب والاحتطاب فقط , أو جلب
ماء إليها من نهر , أو من عين , أو حفر بئر فيها لسقيها منه , أو حرثها , أو غرسها , أو تزبيلها , أو ما يقوم مقام
التزبيل من نقل تراب إليها , أو رماد , أو قلع حجارة , أو جرد تراب ملح عن وجهها حتى يمكن بذلك حرثها , أو
غرسها , أو أن يختط عليها بحظير للبناء - فهذا كله إحياء في لغة العرب التي بها خاطبنا الله تعالى على لسان نبيه
صلى الله عليه وسلم فيكون له بذلك ما أدرك الماء في فوره وكثرته في جميع جهات البئر , أو العين , أو النهر , أو
الساقية , قد ملكه واستحقه ; لأنه أحياه ولا خلاف في ضرورة الحس واللغة أن الاحتطاب وأخذ العشب للرعي ليس إحياء
وما تولى المرء من ذلك بأجرائه وأعوانه , فهو له , لا لهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى .
وقد ذكر في حديث أبو بكر قال حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن محمد بن عبيد الثقفي قال : كتب عمر أنه من
أحيا مواتا فهو أحق به .
وفي حديث أبو بكر قال حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : كان الناس يتحجرون على عهد عمر فقال :
من أحيا أرضا فهي له .
وفي حديث أبو بكر قال حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : من أحاط حائطا على أرض فهي له .
( فصل : وإحياء أرض فيه ) الموات ( بحوز بحائط منيع عادة ) بحيث يمنع الحائط ما وراءه ; لحديث جابر مرفوعا :
من أحاط حائطا على أرض فهي له . رواه أحمد وأبو داود عن جابر . ولهما عن سمرة بن جندب مرفوعا مثله , ويكون
البناء مما جرت عادة أهل البلد البناء به من لبن أو آجر أو حجر أو قصب أو خشب ونحوه ( سواء أرادها ) المحيي
( لبناء أو زرع , أو ) أرادها ( حظيرة ماشية ) أو حظيرة خشب ونحوهما 0
وادي السليكون
شكرا لك على تعقيبك