لو عرفت سعيد لكنت مشغوفاً بحبه ، ولو عرفت هذا الموظف لتكبدت مأساة الحزن والأسى ، ولذقت مرارة الفراق ، وعرفت معنى الصداقة وقيمة الحب ، ولو أنني أنا الوحيد أو أسرته المكلومة الذين شعروا بهذا الود وتجرعوا ذلك الألم والحزن على فراقه ، فربما نكون حالات طبيعية ، فقد كان سعيد خير من لقيت أنا وكافة زملائي في بريد منطقة الباحة بل أنني أقلهم حزناً وأساً وحباً لسعيد ، فقد كان سعيد بن مبارك الزهراني من منسوبي بريد منطقة الباحة من خير الرجال أدباً ، وفضلاً ، وعفةً ، وحياءً وشرف نفس ،وطهارة قلب ..
كانت ابنته المتوفاة معه ومع شقيقها عبد الإله تعاني من الصمم والبكم ، وتكبد والدها السفر والعناء لسنوات لعلاجها وتعليمها حتى بلغت السابعة عشر ، لم يشكو مأساته لغير الله ولم يبلغ أحداً عن مكابدته وعناءه الطويل ، إيثاراً منه وصبراً واستسلام يقين منه لما خطته الأقلام في ألواح المقادير ، وقد كنت أرحم صمته وسكونه وجمود عينيه ، فكان يسافر إلى مدينة جدة في الشهر مرة أو مرتين ثم يعود وفي ثغره ابتسامة تتلألأ تلؤلؤ نجمة الصبح ليعانق أمله في الحياة بعد الله ، وإبنه الوحيد بين شقيقاته الثلاث ،حبيبه عبدالإله 14عاماً ، فقد كان يرى فيه الشهم القادم الذي سيحمل همه من بعده ويواصل مشوار الحياة وكبدها الشاق المرهق ، وكان يفخر ويبتسم عندما يدعى بكنيته أبو عبد الإله ..
كان زملاءه في العمل على موعد مع الحزن ومع قصة تستمطر الدموع من عيونها المتحجرة ، في مساء يوم الجمعة في الثاني من ذي الحجة 1427هـ هبطت صاعقة من الكلام المنثور ودوت في الألباب ، وتوغلت في قلوب اسرته والده ووالدته وأشقاؤه وأدمت قلوب الرجال من زملائه ، سعيد بن مبارك ، توفي ؟! سقط من عقبة الباحة ومن علو 800 متر بسيارته التي تقل كافة أسرته ، عندما كان قادماً من مدينة جدة في رحلته المعتادة لعلاج فلذة كبده ابنته .. توفي هو وابنته معاً في اليوم الأول ، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يلحق بهما عبدالإله في اليوم التالي إلى رحمة الله ..
ثلاثة قبور وآلآف المصلين وحسن ختام من ألسن الناس التي كانت تلهج بالدعاء لسعيد وأبناءه ، ودعاء تتفطر له القلوب لبقية أسرته ، الذين يرقدون في مستشفى الملك فهد بالباحة ، أن يتولاهم الله برعايته ، وأن يشفيهم .. ولا تزال الأم المكلومة على أمل التلاق بزوجها الحبيب وفلذات أكبادها ، دون علم بل لم يتجرأ أحداً بإبلاغها حتى اللحظه بوفاتهم ...... رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعريف بالموظف المتوفي رحمه الله :
الإسم / سعيد بن مبارك عبدالله الزهراني من مواليد عام 1382هـ
يعمل أمين صندوق بالمرتبة السابعة في بريد منطقة الباحة عن طريق التكليف من منطقة مكة المكرمة ..
القرية / بني سار / السيرة عطرة وحافلة بالخير .. يحبه الجميع رجل مستقيم وشهم وكريم رحمه الله وله أفعال خيرية لا تحصى ...
عدد افراد أسرته ثلاث بنات وولد واحد اسمه عبدالإله وعمره 14 عام
نوع السيارة / يوكون موديل 2002 إكس إل أبيض اللون ..
ساعة وقوع الحادث الثاثلة وخمسة وأربعون دقيقة عصر يوم الجمعة ، كان الأخ سعيد رحمه هو وأسرته قادمون من مدينة جدة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحمك الله أبا عبدالإله أنت وأبناءك ...