تذكرتان يجمعهما شيء واحد ولو اختلفتا في الأشخاص والزمان والمكان، تذكرتان لذاكرة واحدة في إنسان واحد لم يتغير في جوهره وأصله وإنما تغير في معرفته للأشخاص ونظرته للحياة وتقديره للقيم. أما التذكرة الأولى فكانت مستوحاة من تاريخ مضى عليه عشر سنوات جمعت في صلتها للحاضر رواسب الماضي الذي لم يندمل جرحه بعد على الرغم من مرور هذا العهد الطويل به كان يمكن ان ينسى لو أن مبضع هذا الجراح كان للشفاء وللقطع وكان يمكن أن ينسى لو أن مبضعه الآن الذي استعمله في الماضي للقطع فقط يستعمله اليوم للشفاء فقط أما الجرح فليس قطعاً للجلد وللعروق ولكنه قطع للحق والعدل والانصاف بدعوى التوجيه والقيام بالواجب. أما الآلة التي استعملت في هذا القطع فليس هو المبضع في يد الطبيب ولكنه المبضع في يد الغاضب الذي أفقده الغضب حكمة الصواب فأخذ يستعمله ليزين عمله ويهدئ غضبه إذن ليس هو آلة مفيدة للاستعمال ولكنها قلم يكتب أراد ان يبدع في الوصف فأبدع في مجافاة الضمير الانساني الحر.
القلب مطمئن للنتائج مهما كانت قاسية لأنه لم يكن هناك خلاف حتى توجد مشكلة وإنما هناك اندفاع للخلاف لم يتقدم احد للوقوف في وجهه خشية الوقوع، أما التذكرة الثانية فهي مستوحاة في مثل هذا العام من الذاكرة الأولى ولا يزال لها ارتباط في الحاضر يصل ما انقطع من الماضي ليجدد العهد ولكن على غير حال من الفرح والابتسام والرضا لأنها صارت جميعاً في تكلف بعد أن كانت طبيعية غير اصطناعية.
خرجت من هاتين التذكرتين بنتيجة أولى وثانية. الأولى هو استمرار التعرف لإنسان واحد لا تفارق محياه وضعك في القالب الذي يريده او تريده لنفسك، فالقالب الذي تجلس عليه لتتحدث منه حديثك الصريح الواضح يهتز تحتك لأنك صنعته على نمط قالبه الذي لا تعرف زمن استقراره من زمن تقلقله. والثانية هو أن وضعه في قالبك ممكن وليس من العسير تصليح القالب ليس من مهمتك ولكن من مهمتك الجلوس عليه لتطمئن وحظك السعيد هو الذي يجعل القالب قوياً لا يترجرج تحتك.
القلب الكبير