العفو تاج المكارم
العفو ميراث التقوى، والله أعد للمتقين جنات عرضها السموات والأرض. وعلى من أوسع الله عليه من فضله، أن يوسع الناس فضلاً وعفواً، ليغفر الله له. وقد يكون أقرب الناس إليك فتنة لك (كالزوجة والأولاد)، فعليك أن تتعامل معه بحذر وبعفو وصفح. ومن يرجو العفو من الله فليصفح عن الناس. والله سبحانه قد سمح لمن اُسيء إليه أن يرد إساءته بمثلها، ولكنه رغبه في العفو والاصلاح، ووعده أجراً من لدنه. والعفو من خلق النبي صلى الله عليه وآله، فأحرى بنا أن نقتدي به. وحتى الكفار ينبغي أن يصفح المسلمون عنهم (في ظروف الهدنة)، حتى يأتي الله بأمره (لجهادهم). والتائب من المشركين يحظى بفرصة العفو عنه. وعلى من شمله العفو أن يتبعه بمعروف (فلا يستغل العفو في الاسترسال في الظلم).
كانت هذه بصائر حول العفو استوحيناها من آيات الذكر، دعنا نتدبر أكثر فأكثر في تلك الآيات، ونستفيد منها المزيد من حقائق العفو في القرآن والسنة.
1ـ (حينما يزداد الانسان إيماناً وتقوى، يتحلى بمكارم الأخلاق؛ ومنها العفو الذي يبين الكتاب صلته بالتقوى). قال الله سبحانه: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلْتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 237) .
فالعفو ميراث التقوى، والتقوى ميراث الإيمان.
2ـ وقد أعد الله جنات عريضة للمتقين، ومن أبرز صفاتهم عفوهم عن الناس. قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَاْلأَرْضُ اُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُـحْسِنِينَ) (آل عمران/ 133-134) .
3ـ وعلى أصحاب الفضل والسعة أن يوسعوا الناس من مالهم وحسن أخلاقهم، وذلك طمعا في مغفرة الله لهم . قال الله تعالى : (وَلاَ يَأْتَلِ اُولُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور/ 22)
ونستوحي من الآية؛ إن الأغنياء والعلماء والوجهاء والمسؤولين أولى من غيرهم بالعفو، عمن هو أقل منهم درجة.
4ـ وعلى المؤمنين أن يحذروا أقرب الناس إليهم، ولكن في ذات الوقت لا يغلظون عليهم ، بل يصفحون عنهم ويغفرون لهم (لكي لا ينفروا الناس عن دين الله). قال الله تعالى: (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التغابن / 14) .
ولعل معنى العداوة هنا، إنهم فتنة للانسان.
5ـ إن كل إنسان ينتظر العفو من ربه، فعليه أن يعفو عمن هو دونه ليغفر الله له . قــال الله تعالى: (إِن تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) (النساء/ 149).
6ـ ورغّب الله سبحانه في العفو عن سيئات الآخرين، ووعدهم بالأجر الذي ضمنه لهم. قال الله سبحانه: (وَجَزآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَاَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى/ 40) .
7ـ والله سبحانه أمر رسوله بالعفو، (فأحرى بنا من أن نتبعه). قال الله سبحانه: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُـحْسِنِينَ) (المائدة/13)
8ـ وحتى مع الكفار من أهل الكتاب، الذين ودّوا لو يكفر المسلمون، أمر الله بالصفح والعفو عنهم، حتى يأتي الأمر بمواجهتهم. (لعل الصفح جاء في ظروف التعايش السلمي معهم). قال الله سبحانه: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِندِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِاَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة / 109)
9ـ كذلك العفو محمود بالنسبة الى التائبين من المشركين، الذين أمر الله بإطلاق سراحهم إن هم إلتزموا بشروط التوبة. قال الله تعالى: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الْصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 5) .
10ـ (ومن عفى فإنما ابتغى أجر ربه)، ومن عفي لـه من أخيه فعليه أن يتبع عفوه بالمعروف. قال الله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ) (البقرة / 178) .
في رحاب الأحاديث
1ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته: ألا أخبركم بخيـر خلائق الدنيــا والآخـــرة ؟ العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك ، والاحسان الى من أساء إليك، واعطاء من حرمـك(621).
2ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بالعفو، فان العفو لا يزيد العبد إلاّ عزّاً، فتعافوا يعزّكم الله(622).
3ـ عن حمران، عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر) عليه السلام قال: الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة(623).
4ـ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: العفو تاج المكارم (624).
5ـ قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة؛ تعفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم اذا جهل عليك(625).
6ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أوقف العباد نادى مناد: ليقم من أجره على الله، وليدخل الجنة. قيل: من ذا الذي أجره على الله ؟ قال : العافون عن الناس(626).
7ـ وقال صلى الله عليه وآله: تعافوا تسقط الضغائن بينكم(627).
8ـ وقال صلى الله عليه وآله: إن الله عفوّ يحب العفو(628).
9ـ وقال صلى الله عليه وآله: رأيت ليلة اُسري بي قصوراً مستويةً مشرفةً على الجنة، فقلت: يا جبريل لمن هذا ؟ فقال: للكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين(629).
10ـ وقال صلى الله عليه وآله: من أقال مسلماً عثرته، أقال الله عثرته يوم القيامة(630).
11ـ قال الإمام الصادق عليه السلام : إنا أهل بيت مروّتنا العفو عمّن ظلمنا(631).
12ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كثر عفوه مدّ في عمره(632).
13ـ عن ابن فضال قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : ما التقت فئتان إلاّ نُصر أعظمهما عفواً(633).
14ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عفو الملك، عقال الملك(634).
15ـ وقال صلى الله عليه وآله: عفو الملك أبقى للملك(635).
16ـ وقال صلى الله عليه وآله: تجاوزوا عن الذنب مالم يكن حدّاً(636).
17ـ وقال صلى الله عليه وآله: تجاوزوا عن ذنوب الناس يدفع الله عنكم بذلك عذاب النـار(637).
18ـ وقال صلى الله عليه وآله: تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقــدار(638).
19ـ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: شيئان لايوزن ثوابها؛ العفو والعدل(639).
20ـ وقال عليه السلام: قلّة العفو أقبح العيوب، والتسرّع الى الانتقام أعظم الذنوب(640).
21ـ وقال عليه السلام: شر الناس من لا يعفو عن الزلّة، ولا يستر العورة(641).
22ـ ومن كتاب كتبه عليه السلام للأشتر لما ولاّه مصر، جاء فيه: ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه... ولا تندمن على عفو ولا تبجحن بعقوبة(642).