د. محمد عبد الرحمن المدني
قامت الحكومة السعودية بإنشاء المديرية العامة للبريد عام 1356هـ وتطور نشاط تلك المديرية إلى أن صدر نظام البريد عام 1406هـ وكذلك تنظيم مؤسسة البريد السعودي عام 1423هـ، بعد أن تم تجهيزها بالمباني وبأحدث وسائل التقنية مثل السيور النقالة وآلات الفرز البريدي وغيرها.
وانطلاقا من إيمان الدولة بالاستمرار في برامج الخصخصة التي بدأتها منذ فترة، وكما فعلت في قطاع الاتصالات، انتقل قطاع البريد إلى القطاع الخاص، في 29 ربيع الأول 1423هـ إلى مؤسسة أطلق عليها اسم «مؤسسة البريد السعودي، وهدف هذا التغيير من الناحية النظرية على الأقل إعطاء فرصة للقطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع والاستفادة من المردود المادي وتحسن الخدمة المقدمة التي ساءت في الفترة الأخيرة.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل البريد السعودي فعلا أفاد واستفاد؟ حقيقة لا أعتقد ذلك.
فانتقال البريد السعودي من القطاع العام إلى القطاع الخاص بقرار حكومي من المفترض أن يكون ظاهره وباطنه تحسن الخدمة وبأسعار منافسة، ولكن أي منافسة طالما المؤسسة هي اللاعب والحكم والجمهور، إذ لا يوجد منافس لهم في السوق سوى البريد السريع الذي يغرق السوق بشركات تقدم تلك الخدمة فقط. ومن منكم أعزائي قراء وقارئات هذه الزاوية انتهي اشتراكه في صندوق بريده الخاص وذهب لتجديده، سيسمع ويرى مالا إذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر. شاءت الأقدار أن أكون أحد هؤلاء المنتهي اشتراكه.
دعونا نستعرض سبل هذا التطور للخدمات البريدية التي وضعتها مؤسسة البريد السعودي،في شكلها الجديد، والتي هي في الواقع انتكاسة للخدمات البريدية، المتمثلة في صندوق البريد سواء كان تجديدا أو اشتراكا جديدا، إذ وضعت مؤسسة البريد السعودي خمسة عشر شرطاً لحصول المواطن والمقيم على صندوق بريد، دون أن تعلن عن هذه الشروط لأنها تخجل منها، وعملت على فرضها بالقوة على كل المشتركين عندما يحين ميعاد تجديد اشتراكاتهم، إما أن يقبل بها وإما أن يحرم من صندوق البريد المسجل باسمه من عشرات السنين.
الشرط الأول ينص على أن مؤسسة البريد السعودي هي صاحبة الحق في عمل الاشتراكات في صناديق البريد أو فسخ الاشتراك، وهذا يتنافى حتى مع المنطق بل هو تجسيد لعدم احترام آدميتنا التي تعودنا عليها في مجتمعنا. فكيف لها الحق في فسخ العقد طالما تسدد رسوم الاشتراك.
أما الشرط الثاني فينص على أن مدة الاشتراك في صناديق البريد سنة واحدة بداية من تاريخ دفع رسم الاشتراك، ومرة أخرى تعمق المؤسسة الاستخفاف بالبشر رغم أن رسوم الاشتراك الحالية أقل ما توصف بأنها تعسفية وفيها من الاستغلال لا يمكن أن يتقبله عقل. لن استعرض باقي الشروط لضيق المساحة ففيها المضحك وفيها المبكي، ولكن سأستعرضها في مقالة أو مقالات قادمة بإذن الله. وسأركز هنا على الرسوم التي حددتها مؤسسة البريد السعودي والتصنيف الغريب العجيب الذي ابتكرته المؤسسة في تحديد رسوم الاشتراك فيها.
من الواضح أن الآلية التي بنيت على أساسها رسوم الاشتراك عشوائية ولا تحتوي على أدنى معايير العقل والمنطق، وفيها من الاستخفاف والاستهتار بعقول البشر ما يثير حفيظتنا لها. فمؤسسة البريد السعودي اخترعت نظاماً لصناديق البريد يخالف كل ما هو مطبق في جميع دول العالم تقريبا، هذه الاختراع صنف الصناديق إلى أربع فئات، صندوق بريد فردي بمائة ريال له لصاحب الصندوق فقط، صندوق بريد عائلي بثلاثمائة ريال له مع عشرة أشخاص من أهل بيته، وصندوق بريد للمؤسسات بألف ريال، وصندوق بريد للشركات بثلاثة آلاف ريال جميعها لمدة سنة واحدة فقط، وهي مسميات اخترعتها مؤسسة البريد السعودي بغية استغلال المشتركين.
لقد قلبت مؤسسة البريد السعودي رسالتها وأهدافها من مقدم لخدمة إلزامية للمجتمع يعطي الحق لكل أفراده أيّا كان مستوى دخلهم ووضعهم الاقتصادي الحصول عليها، إلى تجارة رابحة تؤمن لمنسوبيها بحبوحة العيش من رواتب بأرقام فلكية أو مميزات أخرى تكاد تتعدى حتى مكافآت البنوك أو أرامكو السعودية.
إن هذا النظام التعسفي في التعامل مع أصحاب صناديق البريد ما كان أن يعتمد لو وجد منافس حقيقي لها، فبدلا من تطوير الخدمة، وخفض الرسوم فعلت المؤسسة العكس. لذا أقول لكم أحبائي المتضررين من هذه الخدمة وشروطها التعسفية لا داعي للقلق، فاتفاقية التجارة التي وقعتها المملكة مؤخرا سوف تأتينا بشركات بريد عالمية محترفة تحترم آدميتنا على الأقل، ومتأكد سوف تجبر مؤسسة البريد السعودي على الخروج من السوق نهائيا اذا لم توقف تلك الفوضى والطمع والجشع. أتمنى ذلك. وللحديث بقية.http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12270&P=4
Mohamed444@yahoo.com