وقفات حول رواتب موظفي المؤسسات العامة والصناديق
عبد المجيد بن عبد الرحمن الفايز - كاتب اقتصادي 12/05/1428هـ
أمر المقام السامي الكريم بتاريخ 16/7/1425هـ تشكيل لجنة من وزير الخدمة المدنية، وزير المالية، وزير الاقتصاد والتخطيط، ورئيس ديوان المراقبة العامة، لدراسة التباين المالي بين ما يمنح لموظفي الخدمة المدنية وزملائهم في المؤسسات والهيئات العامة والصناديق وأن انفراد أي مؤسسة أو هيئة أو صناديق حكومية بمميزات مالية تتجاوز بشكل كبير ما هو معمول به في القطاعات الخاضعة لنظام الخدمة المدنية غير مناسب ولا ينسجم مع مفهوم العدالة ومبدأ المساواة في الحقوق الوظيفية.
وخرجت اللجنة في شهر ربيع الآخر عام 1426هـ بعدة توصيات، من أهمها أن يخضع موظفو المؤسسات والهيئات العامة والصناديق لنظام التقاعد المدني وأن يطبق على تلك التي لا توجد لديها لوائح وسلالم رواتب تنظم شؤون موظفيها لوائح شؤون الموظفين والمستخدمين في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وسلما الرواتب الملحقين بها، وأن يستمر موظفو المؤسسات والهيئات العامة والصناديق ذات اللوائح وسلالم الرواتب الخاصة بها على أوضاعهم الوظيفية الحالية حتى صدور اللائحة الموحدة وسلم الرواتب الملحق بها من مجلس الخدمة المدنية.
ولا شك أن اللجنة المذكورة اجتهدت وخرجت بما تعتقد أنه يحقق مبدأ العدالة والمساواة بين موظفي الدولة، إلا أن موضوعا كهذا يتعلق بشريحة كبيرة من كفاءات هذا البلد يتطلب نقاشا مستفيضا على مستوى الخبراء وممثلين عن جميع الجهات المعنية به، فهي أقدر من ناحية على تبرير سلالمها وهي الوحيدة التي يمكن أن تحدد الأضرار والسلبيات في حالة تغيير هذه السلالم من ناحية أخرى، أعلم أن مبدأ العدالة ينبغي أن يطبق إلا أن تطبيقه يرتبط بتساوي الخبرات والتأهيل والأعمال، وهذا في ظني غير موجود.
إن إقرار مبدأ سلم رواتب موحد دون دراسة السلبيات التي يمكن أن تنتج عنه يحتاج إلى مراجعة، فعلى سبيل المثال فإن اللجنة استثنت مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية من سلم الرواتب الموحد لمبررات شرحها عضو اللجنة وزير المالية، لأنه يعرفها جيدا، ولكن أين ممثليو الجهات الأخرى؟ وهل نستطيع أن نفرز بين الجهات الحكومية بناء على الأهمية والقرب والبعد عن مصدر القرار؟ هذان تساؤلان مهمان، فمبدأ الاستثناء بحد ذاته لا يحقق مبدأ المساواة والعدالة، وهو الأساس الذي جاءت اللجنة لتطبيقه.
لقد سبق وكتبت أكثر من مرة عن رواتب موظفي مؤسسة النقد وانتقدتها لانخفاض متوسطها مع متوسط السوق، ولا أعني بالسوق هنا موظفي القطاع العام، بل نظراءهم في القطاع الخاص، وهذا ما تسبب في ارتفاع معدل دوران الموظفين فيها وما ينطبق على المؤسسة ينطبق على صندوق التنمية الصناعي وغيره، فهناك موظفون استقطبوا بأضعاف رواتبهم لما يتميزون به من تأهيل وخبرات وقدرات وإبداع وإنجاز.
لا يمكن أن تعمل جهات كثيرة تطبق سلالم خاصة بها وتحقق أهدافها إذا ما تسربت خبراتها إلى خارجها، خصوصا أنها الوحيدة التي تعمل في ظل ترهل الأجهزة الأخرى ولها علاقة مباشرة بالعمل الاقتصادي الذي نعول عليه كثيرا في المستقبل.
وأمر آخر يتعلق بتوصيات اللجنة المذكورة وهو ما ورد في الفقرة الثانية ونصه" يطبق على المؤسسات والهيئات العامة والصناديق التي لم تصدر لها لوائح وسلالم رواتب تنظم شؤون موظفيها لوائح شؤون الموظفين والمستخدمين في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وسلما الرواتب الملحقين بها وقت اعتماد هذه القواعد ولا يجوز تعديل هذه اللوائح وسلمي الرواتب الملحقين بها بعد ذلك" وهي واضحة جدا ولا مجال لتفسيرها على نحو مغاير لمعناها إلا أن وزارة المالية اعترضت على تطبيق مؤسسة التعليم الفني لسلم رواتب مؤسسة التأمينات الاجتماعية وألزمتها بالعودة لرواتبها السابقة بعد مضي شهرين، وهذا أمر يدعو للدهشة ويجعلني أتساءل مع موظفي التعليم الفني كافة: هل أصبحت وزارة المالية الخصم والحكم؟