بنك أمريكي ينصح الخليجيين بتبني سلة عملات لمواجهة التضخم
- محمد الخنيفر - 17/05/1428هـ
أوصى بنك جولدمان ساكس الأمريكي دول مجلس التعاون الخليجي بتبني سلة عملات لمواجهة التضخم الذي ارتفعت معدلاته في دول المجلس في العامين الأخيرين مع ارتفاع السيولة وزيادة معدلات المشاريع العملاقة التي يجري تنفيذها في هذه الدول.
وقال "جولدمان ساكس" إن ثبات ارتباط العملات المحلية بقوة بالدولار سيسفر عن انتقال معطيات ارتفاع أسعار الطاقة مباشرة إلى أسعار المنتجات الاستهلاكية. ويذهب التقرير إلى أن الارتباطات الخليجية بسعر الدولار خدمت على نحو جيد، كملاذ اسمي راسخ في العقود الماضية، لأن الهيكل المؤسسي اللازم لدعم أنظمة أسعار التبادل الأكثر مرونة غير موجود, لكن الخطوة الأولى للخليج ستكون على الأرجح في اتجاه مرونة أكبر في سعر الصرف، عبر تبني ارتباط سلة عملات متعددة، يساعد على تقليص التأثيرات التضخمية للتحركات الحادة في تقاطعات العملات الرئيسية.
إلى ذلك, أوضحت مؤسسة التقييم الدولية "ستاندارد آند بورز"أن قرار السلطات الكويتية فك ارتباط الدينار بالدولار لن يشكل أثرا سلبيا في التقييمات الخاصة بالسندات التي تصدرها الكويت وسيساعد على الحد من التضخم, لكنه مع ذلك سيلقي شكوكاً لا يستهان بها حول الخطط الرامية إلى إنشاء اتحاد نقدي خليجي بحلول عام 2010.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
قررت الكويت قبل أسبوعين تقريبا فك ارتباط عملتها (الدينار) بالدولار وعادت إلى نهج سلة العملات مع احتفاظ العملة الأمريكية بحصة 25 في المائة من هذه السلة. وأثارت تلك الخطوة تساؤلات في الأوساط المالية والاقتصادية في الخليج وخارجه حول مستقبل العملة الخليجية الموحدة التي كان يفترض أن تحقق دول المجلس تكاملا في سياساتها المالية قبل حلول موعد طرحها وهو 2010, واعتبرت مصارد غربية أن خطوة الكويت ستشكل ضغطا إضافيا على مشروع العملة الذي يعاني أصلا من اختلاف في وجهات النظر حول بعض المعايير خاصة المتعلقة بالتضخم. وعقب إعلان الكويت, أكدت باقي دول مجلس التعاون التي تنوي دخول العملة (السعودية، الإمارات، قطر، البحرين) أنها لا تنوي إجراء أي تعديل في شكل ارتباط عملتها بالدولار، في حين أن عمان أعلنت قبل ذلك أنها لن تدخل العملة في موعدها المحدد مسبقا وربما لا تدخلها أبدا.
"الاقتصادية" رصدت خلال الأيام الماضية وجهات نظر المؤسسات المالية العالمية ومؤسسات التقييم الائتماني حول خطوة الكويت وتقييمهم لمستقبل العملة الخليجية الموحدة. إلى التفاصيل:
نصيحة "جولدمان ساكس" لدول الخليج: تبنوا سلة عملات لمواجهة التضخم
أعد بنك "جولدمان ساكس" الأمريكي تقريرا مفصلا عن حالة عملات مجلس التعاون الخليجي، في أعقاب القرار الكويتي بفلك الارتباط مع الدولار.
"الاقتصادية" تنشر هنا نص التقرير الذي تظهر فيه جليا وجهة نظر أمريكية، وهنا النص:
إذا زاد الطلب العالمي على الطاقة بقوة في العقود المقبلة، وإذا أتاح ذلك تدفق ثابت من المداخيل" غير العادية" إلى المنطقة، وفقما نرى، سيصبح عندها من الصعب بشكل متزايد، بموجب نظام سعر الصرف الثابت الحالي، توافق استقرار أسعار صرف "الدولار" مع أهداف التنمية الاقتصادية المتسارعة.
هناك ثمة أسباب عديدة لذلك:
أولاً، مع ثبات ارتباط العملات المحلية بقوة بالدولار، سينسحب أثر الصدمة مباشرة (نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة) لينعكس على الأسعار المحلية.
ثانياً، سيزداد الإنفاق المحلي نتيجة للمداخيل الناتجة من طفرة أسعار النفط والغاز، وسينصب جزء منها على السلع غير المتداولة.
ولدى إجراء مقارنة مع سيناريو لا يوجد فيه عامل النفط، سينتج عن ذلك تقييم لسعر الصرف الفعلي (زيادة في السعر النسبي للسلع غير المتداولة إلى المتداولة). سيتم بالتالي، سحب الموارد إلى إنتاج السلع والخدمات غير المتداولة، بعيداً عن قطاعات السلع غير المتعلقة بالكربون القابلة للتداول.
ليس بالضرورة أن يؤشر سيناريو" العواقب السلبية" إلى وجود مشكلة، من قبيل المرض الهولندي Dutch disease، وهو مصطلح فني يشير إلى النتائج السلبية المتأتية عن زيادات مفاجئة في إيرادات دخل بلد ما (أي أن يتحول الدخل المفرط نفسه إلى مشكلة للاقتصاد)، إذ إن الزيادة في الطلب على السلع والخدمات غير المتداولة، نتيجة طبيعية لوجود ثروة أكبر.
غير أنه من الضروري، في المقابل، ألا يمتد تأثير التخفيض (النسبي) على حجم قطاعات الإنتاج غير الكربونية القابلة للتداول، وينتج عنه اعتماد مفرط على صادرات النفط والغاز.
وبوجود سعر صرف اسمي ثابت مقابل الدولار، فإن تقييم سعر الصرف الفعلي المطلوب، يمكن أن يحدث فحسب، في ظل نسبة تضخم في التكاليف والأسعار المحلية، أعلى من مثيلاتها في الولايات المتحدة والبلدان الأخرى المرتبطة عملاتها بالدولار.
وعلى أية حال، ينبغي أن يكون هذا التضخم المرتفع أمراً مؤقتا، حيث ينطوي التعديل المطلوب على زيادة في مستوى السعر الرئيسي النسبي فقط.
تأثير هذه المداخيل، إضافة إلى تأثير مستوى السعر المباشر للزيادة في تسعيرة الدولار على الطاقة، يمكن أن يحدث أيضاً في حالة لم تكن الإيرادات الكربونية ناتجة عن زيادة في تسعيرة الدولار للطاقة، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يحدث ذلك إذا ما لم تنشأ الثروة من تسعيرة الدولار للنفط والغاز، بل جراء اكتشافات جديدة لاحتياطيات كربونية.
ثالثاً: إضافة إلى احتمال "التأثير السلبي" Dutch disease للكسب المفاجئ الناتج عن إيرادات الكربون، هنالك أيضاً ما يسمى بـمؤثر بالاسا – سامويلسون Balassa-Samuelson المواكب للتلاقي الناجح لمستويات الإنتاجية المحلية مقارنة بتلك السائدة في المجتمعات المتقدمة.
إذا ما حدث لحاق أو عندما يحدث تلاقٍ ناجح في قطاعات الاقتصاد غير المنتجة للنفط والغاز، فإن لحاق الإنتاجية في قطاعات السلع المتداولة يميل لأن يكون أكثر تسارعاً مما يجري في قطاعات السلع غير المتداولة.
يعني ذلك أنه، إذا استطاعت عوامل الإنتاج التدفق بسهولة نسبية بين هذين القطاعين، فإن السعر النسبي للسلع غير المتداولة سيرتفع.
هذا التقييم لسعر الصرف الفعلي المدفوع بتأثير العرض، مميز بشكل واضح عن التقييم المدفوع بمؤثر الطلب، ومؤثر "العواقب السلبية" الآنف الذكر.
يمكن أيضاً توقع استمرار هذه الظاهرة، طالما ظل هذا اللحاق أو التقارب الفعلي.
بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن يشكل ذلك الأمر فترة تستمر عدة عقود. وفي وجود سعر تبادل اسمي ثابت للدولار، وفي ظل مؤثر بالاسا – سامويلسون، فإن التقييم الفعلي لسعر الصرف يتطلب تضخماً يتجاوز الموجود في باقي العالم المرتبطة عملاته بالدولار.
وأخيراً، على الرغم من توقعنا لأن تكون بلدان الخليج المصدر الصافي لرأس المال في المستقبل المنظور، فإن رغبة السلطات النقدية في المنطقة في إيجاد احتياطيات أكبر من العملات الأجنبية، وكذلك توقع تدفقات دورية أكبر من الرل الخاصة، يمكن أن تفضي بيسر إلى خلق مفرط في الأموال والسيولة، مما يفضي بدوره إلى توسع مفرط في الائتمان المحلي، وتفاقم المضاربات.
يقول المحلل الاقتصادي ومؤلف التقرير أحمد أكارلي من "جولدمان ساكس" هذه العوامل كلها، ستزيد من صعوبة المحافظة على استقرار السعر بوجود سعر صرف ثابت مرتبط بالدولار. وفي ظل منظومة سياسة نقدية أكثر مرونة، سيكون من الأسهل أحداث توافق مع استقرارية السعر، وكذلك أهداف التنويع/النمو.
في المقابل، ستساهم إدارة السيولة الأكثر فاعلية، مع مرونة أكبر في سعر الصرف، في امتصاص الضغوط القادمة من الأسعار المحلية.
غير أن وجود مرونة أكبر في نظام سعر الصرف يعد أمرا محفوفاً بالمخاطر. وتكمن إحدى هذه المخاطر في إمكانية التقييم المفرط لسعر الصرف، مما يمكن أن يقلل من شأن جهود التنويع.
لذا، ينبغي أن يكون نظام الصرف الأكثر مرونة مدعوماً بالإصلاحات المؤسسية والهيكلية، التي ستعزز من قدرة السلطات النقدية على مقاومة التأثير الممتد لسعر الصرف، لتسهيل نمو الإنتاجية، وتشجيع مرونة أسواق العمل.
يجب أن تصبح السياسة المالية مقاومة أكثر وبشكل متزايد للدورات المالية، وليست داعمة لها، من أجل أن يتم تخفيف حدة تأثير هذه الدورات. وفي كافة الأحوال ينبغي أن يكون الانتقال من الارتباطات القائمة إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة، انتقالاً تدريجياً.
وهنا يقول مؤلف التقرير: خدمت الارتباطات الخليجية بسعر الدولار على نحو جيد، كملاذ اسمي راسخ في العقود الماضية، لأن الهيكل المؤسسي اللازم لدعم أنظمة أسعار التبادل الأكثر مرونة، غير موجود.
الخطوة الأولى للخليج ستكون على الأرجح في اتجاه مرونة أكبر في سعر الصرف، عبر تبني ارتباط سلة عملات متعددة، يساعد على تقليص التأثيرات التضخمية للتحركات الحادة في تقاطعات العملات الرئيسية. والخطوة التالية ستكون تجهيز القاعدة المؤسسية لتطبيق أنظمة سياسة نقدية أكثر مرونة، مع التأكيد الشديد على تطور أسواق الدين المحلية، ومنح استقلالية على نحو مناسب للبنوك المركزية.
أخيراً، فإن كبر الحجم يظهر مدى العظمة، فبلدان مجلس التعاون الخليجي تحسن صنعاً بالمحافظة على سعر صرف ثابت فيما بينها، مع تقديمها في الوقت ذاته مرونة أكبر لسعر صرفها الخارجي المشترك.
"ستاندرد آند بوورز": تحرير أسواق السلع والقطاع المصرفي سيعالج التضخم
امتدحت مؤسسة التقييم الدولي "ستاندرد آند بوورز" نهج مؤسسة النقد العربي السعودي في تعاملها مع سياسة سعر صرف الريال باعتبارها التزمت بتأكيدها المتكرر حول الإبقاء على السعر الحالي أمام الدولار ثابتا, والمؤسسة الدولية تشير بذلك إلى البنك المركزي الكويتي الذي أكد ذات مرة أنه لن يغير في سياسته النقدية التزاما بمشروع العملة الخليجية الموحدة, لكنه عاد ورفع سعر الدينار وفك ارتباطه مع الدولار.
وفي جانب ثان, قللت "ستاندرد آند بوورز" في تصريح خصته به "الاقتصادية", الوقت من آثار التضخم في السعودية باعتبار معدلات معقولة (3.1 في المائة بنهاية الربع الأول من العام الجاري) مقارنة بالإمارات وقطر والذي يسجل فيهما مستويات تصل إلى 9 في المائة. علما أن معيار التضخم يشكل المعضلة الكبرى في مشروع العملة الخليجية الموحدة.
وأوضح لوس مارتشاند في مقابلة هاتفية من لندن "إن موثوقية البنك السعودي المركزي عالية جدا مقارنة بالدول الخليجية, وأفضل دليل على ذلك طريقة تعاملهم مع معدلات التضخم في البلاد". ويضيف أن التضخم في السعودية يحوم حول 3 في المائة, ليس فقط على المدى القريب بل حتى على المدى البعيد". ويتابع كبير المحللين الائتمانيين "إن موثوقية ربط العملة لا تمثل أي خطر للسعوديين بسبب احتياطات العملة الأجنبية الوفيرة الذي لديهم". وأشار إلى أن معدلات التضخم لدى السعودية موجودة لدى الدول المصنفة A والتي لديها - بحسب الوكالة - سجل طويل في السابق من التضخم المنخفض".
ويتفق الفرنسي مارتشاند على الاقتراح القائل إن تبني ارتباط سلة عملات متعددة سيسهم في تخفيف آثار التضخم في الخليج, لكنها ستكون "مؤقتة", ويرى أن المخرج الآمن من حلزونية التضخم الحالية يتمثل في تحرير القطاع البنكي بصورة أكثر ولا سيما عبر تشجيع عمليات الاندماج والتكامل المالي بينهم، هذا بالإضافة إلى تحرير أسواق السلع والعمل في الخليج. وسيقود تحقيق ذلك لاقتصاديات الخليج انتقالهم إلى المرحلة التالية من التنمية والتكامل, الأمر الذي سيساعد على تسريع تقارب الاقتصاديات الخليجية الذي سينتج عنه، بحسب الوكالة، إيجاد وخلق نظام نقدي مستدام مشترك. ويقول مارتشاند "إن هذه أفضل طريقة لاستدامة العملة الخليجية الموحدة المستقبلية بغض النظر عن العملات التي سترتبط بها".
ومن العوامل التي تغذي نمو التضخم في الخليج بخلاف ضعف الدولار، الطفرة العمرانية والسياحية بالقطاعات التي تزامنت مع الطلب الاستهلاكي على الغذاء والإسكان بسبب زيادة أعداد العمالة الوافدة.