من أصعب الأشياء على النفس أن يكون عليك دَينٌ يجب وفاؤه في آخر الشهر ، فأنت لا تزال تفكر فيه وفي طريقة أدائه وفي تنظيم موازنة البيت بعد وفائه ، وقد يكون واردك قليلاً لا يكفي لمصروف الشهر ؛ فتحس بأن هذا الدَّين كالقيد في يدك أو كالغل في عنقك ؛ لا تستطيع أن تتخلص منه و لا تعرف كيف تعيش بعد الخلاص منه ، و لذلك ورد في الأثر أن الدَّين همٌّ بالليل و مذلَّة بالنهار ، وقال أحدهم : حملتُ الحديد والصخر فلم أجد أثقل من الدَّين 0
و من الخير للإنسان أن يحتمل شظف العيش و يصبر على الفقر والضيق و لا يفكر بالاستدانة من أحد إلا في حالات الضرورة القصوى ، ومن الملاحظ أنك حين تستدين ويصبح المال في يدك تفرح وتشعر بالسعادة والراحة ؛ ولكن حين تنفقه ويحين وقت وفائه تشعر بالصعوبة البالغة والحرج الشديد ؛ لأنك مُجبَر على إعادة المال والعيش في كفاف مرة أخرى ؛ فتندم على ما فعلت وتتمنى لو أنك لم تطلب الدَّين من أحد 0
والدّين داء ثقيل لا يبرأ منه إلا من عصمه الله من مرض التبذير والإسراف ، و يورث الذل والمهانة ؛ لأن المدين يحاول أن يبتعد عن وجه الدائن و لا يلتقي به ، فإذا اجتمع به شعَر بالحرج والمهانة و اضطر إلى اختلاق الأكاذيب و الأعذار في تأخُّره عن الوفاء بالدَّين 0
و قد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من المأثم والمَغرم ، والمَأثم هو الذنب ، والمَغرم هو الغرامة في الدَّين ، قيل : يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المَغرم ، فقال : " إن الرجل إذا غرم حدَّث فكذب ووعد فأخلف " 0
هذا إذا استدان لأمرٍ غير ضروري أو يمكن الاستغناء عنه ، أما الاستدانة لحاجة ماسة و لضرورة و لأمرٍ لا يمكن تأجيله و لا الصبر عنه كالمرض و الولادة و الفقر المدقع ؛ فلا يُستعاذ منه و لا يستغني الإنسان عنه في بعض مراحل حياته التي يتناوبه فيها العسر و اليسر ، لأن الناس يحتاج بعضهم لبعض و لا غنى لأحد منهم عن الآخر 0
و لكن الواجب على المستدين أن يعزم في قلبه على وفاء الدَّين في وقته المحدد له أو في أقرب فرصة ممكنة ؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " حديث صحيح رواه البخاري وأحمد وابن ماجة ؛ كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه 0
ومعنى الحديث أنه إذا عزم على أدائها فتح الله له باباً من الرزق لم يكن يحتسبه مكافأةً له على نيته الصالحة ، أما إذا كان بخلاف ذلك فإن الله سبحانه يوقعه في خبث نيته و يسدّ في وجهه أبواب الرزق 0
أسأل الله بمنه وفضله وكرمه أن يمدنا بواسع عطائه ويغنينا بالقناعة عن اللجوء للدَّين والتطلع لما في أيدي الآخرين ، إنه سميع قريب 0


المواصل 0