بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: د. صالح الرشيد
مستشار واستاذ ادارة الأعمال والتسويق المساعد
يقول تاركنتون في كتابه ماذا علمني الفشل عن النجاح: “معظم المنظمات اليوم تستخدم برامج تقييم الأداء والملفات السرية لتسجيل أكبر عدد من أخطاء الموظفين ومحاسبتهم عليها. الهدف من هذا الإرهاب الاداري هو حرمان الموظفين من فضيلة ارتكاب الأخطاء، أو إثارة الفزع والرعب في قلوبهم كي يحسنوا أداءهم. وهذه السياسة قد تؤدى إلى تحسين الأداء على المدى القصير، ولكنها على المدى الطويل بالقطع لن تحقق نفس النتيجة، فالموظفون سوف يمتنعون عن مجرد التفكير في أية محاولة لأداء العمل بطريقة جديدة ومبتكرة “.
هذه الكلمات كان لها وقع في نفسي، شعرت أنها تمس واقعاً مازال قائماً في الكثير من مؤسساتنا العربية. فالإدارة في هذه المؤسسات وعلى الرغم من التطور العالمي الملحوظ في النظريات والممارسات التي تتعلق بأهمية العنصر البشرى، وبأهمية تفعيل أساليب جديدة في قيادته نحو تحقيق أهدافه وأهداف المؤسسة، إلا أنه هناك مؤسسات مازالت تتعامل مع موظفيها باعتبارهم جنودا يؤدون خدمة عسكرية إلزامية، هناك الأوامر والنواهي، والويل كل الويل لمن يخالف الأوامر ولا يتجنب النواهي، نمط إداري عفى عليه الزمن ولم يعد ملائماً في القرن الحادي والعشرين، نمط إداري ثبت فشله في الكثير من المواقع وفي كثير من الأوقات، نمط بالفعل تسبب في تحويل المؤسسة إلى ثكنة عسكرية تعج بالإفراط في استخدام السلطات والالتزام بالتعليمات.
أشعر بمنتهى الاستياء وأنا أسمع عبارة تتردد كثيراً بين المديرين وأصحاب الأعمال وتفيد بأن الموظف يستجيب دائماً لصوت العصا، وأن العين الحمراء تجبره على السير في الاتجاه المرغوب، هذا غير صحيح، الموظف قبل أن يكون موظفا هو مسلم فطر على فطرة الإسلام، وفطرة الإسلام لا تدعو المسلم أبداً إلى استخدام العنف في ترويع الآخرين، ولا تدعو الآخرين إلى قبول الرضوخ إلى العنف. والقرآن الكريم يقول “ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”.
الإرهاب في المؤسسة بالفعل يقضى على ملكة الإبداع لدى الموظف، ويفقده روح المبادرة، فهو يشعر أن أي خطأ يرتكبه عن قصد أو غير قصد سيدفع ثمنه غالياً. ليس بالعنف يستطيع الرئيس أن يقنع المرؤوس بالتخلي عن عادات تؤدى إلى حدوث أخطاء، وليس بالعنف يستطيع الرئيس أن يفرض التغيير في المؤسسة، هناك طرق مختلفة للإقناع والتحفيز والترغيب، هناك طرق متعددة تجعل الموظف يعمل ويبدع ويتعلم من أخطائه، طرق سلمية تتعامل مع الإنسان باعتباره إنسانا يفعل الصواب ويرتكب الخطأ.
ولنا في قصة الرياح والشمس عبرة. حدث نزاع بين الرياح والشمس، كلا منهما يدعي أنه الأقوى، قررا أن يتسابقا في إجبار رجل مسافر على التجرد من ثيابه، والذي ينجح في تحقيق ذلك يعترف له الآخر بأنه الأقوى، المحاولة الأولى كانت للرياح التي هبت بعنف لتنزع الثياب عن الرجل، لكنه تمسك بقوة بثيابه، كررت الرياح المحاولة مرة أخرى بطريقة أكثر عنفاً، فما كان من الرجل إلا أن تمسك بثيابه وبكل قوة، أعلنت الرياح الاستسلام وجاء دور الشمس، في البداية أشرقت الشمس بدفئها المعهود، فقام الرجل بخلع سترته الفوقية، اشتدت أشعة الشمس فقام الرجل بالتخلي عن إزاره الداخلي، اشتدت أكثر فأكثر فاتجه الرجل إلى البحر كي يستحم وتجرد من كل ثيابه.
فرجاء دعونا في مؤسساتنا العربية نطبق منطق الشمس ونتخلى عن منطق الرياح.