الدكتور الرويلي : يشيد بخدمات البريد ]
د. محمد العبري الرويلي - - 04/02/1427هـ صحيفه الاقتصاديه.
تحدث كثيرون عن موضوع البريد السعودي وناقش آخرون أسعار الصناديق البريدية وطريقة تعليقها على المنازل ومنهم من هو مع البريد السعودي أو ضده ومنهم من هو في حياد ليرى ما سيكون عليه الحال في النهاية. ويبدو أن كثرة النقاش حول هذا الموضوع والتقصير الواضح من البريد في إيضاح المعلومة أوجدا اللبس الواضح، وكون مجموعة من الأسئلة طرحت في كثير من المجالس تبحث عن إجابات ويفتي فيها الكثير دون علم أو دراية وتكون الإجابات في أكثر الأحيان عكس الحقيقة وذلك بسبب شح وقلة المعلومات المطروحة.
لن أناقش أسعار البريد أو وضع الصناديق من عدمه بل إن هذا المقال هو عبارة عن مقدمة عابرة لموضوع مهم له صلة مباشرة بعمل البريد ألا وهو الثورة التي أحدثها البريد السعودي في عملية العنونة والترقيم على مستوى المملكة، ولكوننا ننظر لهذا الإنجاز نظرة الخبير المتخصص بعلم نظم المعلومات الجغرافية الذي يهتم بالخرائط والعناوين وكل ما هو على سطح الأرض فإنني ومن هذا المنبر أشد على يد البريد وأكبر له إنجازه العظيم في عملية عنونة كامل تراب الوطن.
وهنا لن أقوم بسرد آلية عمل وطريقة عمل النظام بل سأنظر فقط إلى كيفية الاستفادة من هذه المخرجات التي تنتج من نظام العنونة البريدي المستحدث. لقد قام البريد بوضع عنوان بريدي لكل متر مربع من تراب هذا الوطن الطاهر بمدنه وقراه وباديته وصحاريه وجباله, حيث قام بطريقه بسيطة وذكية وسهلة بعيداً عن كل تعقيدات الطرق التقليدية في العنونة، التي حاولت جهات عدة إنجازها لعدة سنوات ربما تجاوزت 20 سنة ومازالت، إلا أن البريد قد أنجزها في بضعة شهور، حيث أصبح لكل منزل وكل مزرعة وشقة عنوان واضح ليتعدى إنجازه التعامل البريدي، ويذهب ليشمل جميع من يهتم بشأن الموقع والعنوان بطريقة سهلة، حيث يمكن ربط نظام العنوان البريدي الحديث بأجهزة تحديد المواقع الكوني GPS أو قراءته من الخرائط مباشرة لتسهل عملية الوصول ليس للمادة البريدية فقط بل لكل من يرغب في الوصول إلى المكان المراد مستخدما طريقة العنونة البريدية المستحدثة.
وبما أن الاستعمال يخص تحديد الموقع أو المكان (العنوان) فإنني سأقوم بسرد بعض ما يمكن الاستفادة منه بهذه العنونة الرقمية الحديثة التي تمت على أحدث التقنيات وأبسطها.
فإذا أخذنا على سبيل المثال الدفاع المدني، فمن خلال ذكر المتصل أو طالب المساعدة للعنوان البريدي والرمز دون الوصف التقليدي بالهاتف حتى وإن كانت المنطقة غير مغطاة بخرائط نظم معلومات جغرافية أو نائية فإن الدفاع المدني سوف يصل بأسرع الطرق وأسهلها مستخدما نظام العنوان البريدي. وقد يقول قائل إن هذا النظام موجود الآن في الدفاع المدني إلا أن الاختلاف في هذا النظام أنه يشمل جميع أجزاء المملكة وليس بعض المدن الرئيسية التي لها خرائط نظم معلومات وقواعد بيانات بل يتعداها ليشمل كل قرية أو هجرة أو مركز صغير أو حتى مجموعة من البادية شبه المقيمين، حيث يمكن توفير خدمة العنوان لهم خلال دقائق وإعطائهم عنوانا بريديا واضحا مما يجعل مهمة الدفاع المدني أو غيره من القطاعات الأخرى أسهل وبالغة كل أرجاء هذا الوطن الكريم.
مثال آخر المرور أو شرطة السير، أنه من الصعب ربط المركبة أو السيارة بعنوان ثابت عندنا في الوقت الحالي على النظام المعول به حالياً. ففي أي دولة لديها نظام عنونة وإن كان تقليديا كبريطانيا نجد أن أغلب محطات الوقود لا يوجد فيها عمال لتعبئة البنزين بل محاسبين فقط وعند الانتهاء من التعبئة يقوم صاحب المركبة بالذهاب إلى المحاسب بغرفته ثم يدفع المبلغ المطلوب بعد إعطائه رقم مضخة البنزين التي استعملها، حيث لا يوجد عمال خارج هذه الغرفة يوجد فقط كمرات تصوير تقوم بتصوير السيارة وصاحبها ورقمها وفي حالة تجاهل صاحب المركبة الدفع فإن العامل لا يركض خلفه أو يرميه بالحجارة كما يحدث هنا، حيث يضع عندنا بعض أصحاب محطات الوقود الحجارة بالقرب من المضخة وذلك لكسر زجاج السيارة الخلفي وإلحاق الخسارة بالسيارة قد يتعدى الأذى للركاب في حال الهروب من الدفع، هذا هو الواقع الموجود الذي تتعامل به أغلب المحطات لترهيب الهاربين عن الدفع أو حتى من تسول له نفسه فعل ذلك عندما يرى الحجارة بجانب المضخة البترولية، أما نظام العنوان البريدي واستخدامه كعنوان ثابت للسكن فإنه يكفل للشرطة من خلال لوحة السيارة إيجاد المركبة المطلوبة خلال دقائق وتحديد منزل مالك السيارة وإبلاغه بالحادثة ربما قبل وصول السيارة المطلوبة إلى المنزل أو مكان عنوانها الثابت ومن ثم مطالبته بالمبالغ التي لم يسدده خاصة إذا كانت المركبة تقاد من قبل شخص غير حامل للمسؤولية، وهذا مكمن القوة في نظام العنوان البريدي الذي في حالة تطبيقه وربط عنوان السيارة بعنوان المالك فإنه يجعل من السهل إيجاد مكان مالك السيارة وفي حال تغير مالك السيارة عنوانه فإنه مطالب أو يجبر على أن يعطي عنوانه الجديد لشرطة السير أو المرور حتى تتم متابعة المركبة دون أن تكون هناك عملية مطاردة للمركبة أو الانتظار حتى يقوم المالك بتجديد رخصة قيادته أو رخصة سير المركبة لكي يخبر بأنه مطلوب أو إن عليه مخالفة أو مخالفات، حيث يساعد النظام على وصول قسائم المخالفات لباب منزل أو عنوان صاحب المركبة وهذا يساعد المالك والمرور على السيطرة على المركبة.
وهنالك مثال ثالث مهم سنسرده وهو عن استخدام نظام العنونة في العقار لكونه مثالا جيدا عن الاستفادة من النظام، حيث يساعد النظام على عنونه العقارات كافة مما يساعد في عمليات البيع والشراء ويساعد في عمليات توثيق البيع في جميع المحاكم مما يوقف أو يحد بشكل كبير من ازدواجية إصدار صكوك ملكية الأراضي والعقارات ويساعد في حل الإشكاليات التي عانت وتعاني منها مكاتب كتابة العدل، حيث يمكن ربط جمع العقارات بنظام العنونة الجديد الذي يساعد على أرشفتها رقمياً وتتبع مسار ملكية العقار وربطها بأنظمة كتابة العدل، كما تتعدى الاستفادة إلى مكاتب العقار التي يمكن أن تستخدمها لمعرفة مواقع العقارات المراد بيعها أو تأجيرها وكذلك معرفة وإدارة الشركات العقارية مخزونها العقاري المملوك أو الذي تحت إجراءات البيع لأي عقاري وفي أي جزء من أجزاء المملكة بطريقة سهلة وعملية ومريحة.
وغير ذلك الكثير من الأمثلة لاستخدامات العنوان البريدي الشامل والمعنون لكل جزء من أجزاء المملكة مثل الهلال الأحمر وخدمات التوصيل السريع للمنازل وشركات النقل من الباب للباب، كما أنه مطلب مهم لتنفيذ الحكومة الإلكترونية وعمليات البيع والتوزيع عن طريق الإنترنت.
كما أنه يمكن ربط هذا النظام بالمركبات عن طريق أنظمة GPS أو أنظمة تتبع المركبات وإدارة الأساطيل AVL الذي يقوم بتحديد وجهة المركبة فقط بعد إعطائه العنوان البريدي الرقمي، حيث عن طريق برنامج حاسوبي صغير يلحق بأجهزة يتم تحديد المواقع فيعمل على ربط نظام البريد الحديث للعنونة بأنظمة تحديد المواقع الكوني.
إن النظام الجديد سوف يحدث نقلة نوعية في حياة المواطن العادي لا يحس بها إلا إذا قام باستخدامه توازي أهمية الجوّال، حيث أصبحت الهوية المكانية لكل شبر من الوطن موجودة ومن السهل ربط كل مواطن بعنوان ثابت له وإن انتقل فسيعطى عنوانا آخر بسهولة ويسر.
ومن ناحية أخرى قد يقول قائل إن نظام العنونة موجود, إلا أننا هنا سنبين وجه الاختلاف بين عناوين المساكن الموجود حاليا للبريد وغيره من خدمات التوصيل المنزلي وعنوان البريد المستحدث.
أولا نظام العنونة البريدي الجديد شامل لكل مكان في المملكة فلا يتطلب إعطاء عنوان بريدي حديث لمنطقة نائية صغيرة مثلا إنتاج خرائط رقمية أو عمل مسح ميداني ضخم أو تكاليف باهظة مجرد إعطاء إحداثي الموقع الموجود فيه المكان المراد عنونته وفي خلال دقائق معدودة سوف يعطي النظام عنوانا بريديا ثابتا له بحيث يمكن أن يرسل أو يستقبل أي طرد أو خدمة توصيل بناء على إمكانيات الشركات التي يتعامل معها ومناطق تغطيتها.
أما النظام الحالي فهو قاصر على بعض المدن الرئيسية وعند استحداث شارع جديد أو منشأة جديدة فتحتاج عنونتها إلى وقت كبير قد يصل إلى سنوات على حسب عمليات المسح الميداني كما أنه لا يشمل المدن المتوسطة أو الصغيرة فما بالك بالقرى والهجر والمراكز فيحتاج إلى عمل جبار لعنونتها يتطلب مبالغ وميزانيات كبيرة ووقت يحسب بالكثير من السنوات وليس بفترة أقل من ستة أشهر كما فعل البريد السعودي.
لقد عانينا نحن المهتمين بمسألة العنوان أو الموقع الكثير من تأخر وجود خرائط ذات عناوين شاملة لكل أجزاء المملكة، وقد حدا ذلك بالكثير من الجهات الحكومية أو المدنية إلى أن تقوم بعمل عناوين خاصة بها بينما البريد وحد وعمم وشمل كل ذلك في وقت قياسي جداً.
هذا الإنجاز يجب ألا يشدنا لأن ننكر الجهود السابقة التي قام بها العديد من الهيئات والمؤسسات الحكومية أو الخاصة مما أوجد العديد من قواعد البيانات ونظم المعلومات الجغرافية التي تم بناؤها من قبل هيئات متخصصة مثل خريطة الرياض الرقمية التي قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ببنائها واستفادت منها في الكثير من التطبيقات، لكن لكي تكون الاستفادة قصوى من نظام العنوان البريدي فإنني أتمنى من الهيئات والمؤسسات التي لها اهتمام بنظم المعلومات الجغرافية خاصة الإخوة القائمين على الشبكة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية توحيد الجهود ودمج الأنظمة الموجودة حاليا مع نظام العنونة البريدي للوصول إلى نظام عنوان وهوية متكاملة لأن دمج مخرجات هذه الأنظمة مع نظام العنوان البريدي سيوجد لدينا خرائط رقمية ونظما معلوماتية جغرافية ذات مستوى عال وشامل ومتكامل لكل متر من أرجاء المملكة يستفيد منه الجميع دون أن يكون هنالك ازدواجية في العمل أو احتكار من أحد للمنتج.
* متخصص في الاستشعار عن بعـد ونظم المعلومات الجغرافية..
ولكم احترامي،،،
رحـــــــــــــــال...[/SIZE]