أفراح العيد .. كيف تصبح أفراحاً حقيقية .





((الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر .. لا إله إلا الله…الله أكبر..و لله الحمد..))

و تنتهي عبادة جليلة حافلة بالخيرات والبركات ،

لتبدأ أفراح الناس بالعيد، يهنئ بعضهم بعضاً و قد تلألأت وجوههم بالبشر، و طفحت قلوبهم بالسرور..

غير أن أصحاب القلوب المتصلة بالله، يستشفّون ببصائرهم التي صقلها القرب من الله..
يستشفّون أن أفراح الناس في يوم عيدهم، ليست سوى نموذج مصغر
يريد الله أن يقرب به إلى الناس تلك الأفراح العظيمة التي تقوم الآن
في قلوب المقّربين من عباده و هم في أوج فرحتهم، و احتفالات أرواحهم .. بتوفيق الله لهم في طاعاتهم، و بتوزيع الجوائز التي وعدهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في يوم عيدهم،
و هل مع الجوائز إلاّ أفراح تهتز لها النفس..؟!

يأتي يوم العيد، في أعقاب تلك العبادة الرائعة التي ربطت القلوب بخالقها
ربطاً كانت له بركاته و آثاره و أنواره،
فيأتي العيد ليكون يوم فرحة لأهل الأرض يشاركهم أهل السماء ابتهاجهم و سعادتهم
فلا تزال الملائكة منشغلة بالدعاء و الاستغفار للذين آمنوا، و اتقوا،
و أروا الله من أنفسهم جهداً يرضى الله به عنهم.

و يتضح لدى عامة الخلق أنه لا أحلى من نهار يوم العيد ،

فكأنما لبست السماء ثياباً جديدة و ازيّنت ، و كست الأرض بكرمها المعهود ،
فتلألأت روابيها ، و نواحيها حتى فاض جمالها على وجوه سائر الخلق، فاهتزت نفوس الناس و هي تكبر الله
تكبر اله في أرجاء كل جامع حتى تهتز جدرانه:

الله أكبر.. الله اكبر.. لا إله إلا الله ..الله اكبر.. الله أكبر و لله الحمد.

و يتردد صدى الصوت في أرجاء السماء لينفض عن الأرض رعونات أهلها..!

يالها من لحظات روحية صافية ،
يشعر الإنسان أنه قد نفض روحه مع الحجيج في منى وعرفات والمشاعر المختلفة ..
نفضة قوية حتى أشرقت هذه الروح ..،
و يأتي هذا التكبير لينفضها نفضة خاصة يذكرها بأن الله سبحانه أكبر من كل قوى الكون ،
فلا ينبغي للمسلم أن يخشى إلا الكبير المتعال. . الذي لا كبير سواه ..

و كذلك يذكرّها أن الله اكبر من طاعتها مهما اجتهدت في تلك الطاعة..

و من ثم تعمل هذه المعاني عملها، فتتزين القلوب المؤمنة أشد مما يتزين الصغار بثيابهم الجديدة المبرقشة..

و تطرب الأرواح العارفة طرباً خاصاً بها،
أعظم مما يطرب الأطفال بدراهمهم و ألعابهم و زيناتهم و ضحكاتهم
التي تصيب الناس بعدوى الفرح..

إنه العيد الذي تهتز فيه الحياة في عيون الناس، غير أن كثيرين -للأسف -
تشدهم هذه الزينات و البهارج إلى منعطفات الطريق فينسابون في التيار،
فإذا هم ينسون الله سبحانه في ايام العيد ،
و قد كان ملء سمعهم و أبصارهم،
و إذا هم يعرضون عنه سبحانه، و قد كانوا في ذروة إقبالهم عليه..!!

تلهيهم هذه الأفراح و الزينات و الاحتفالات، فينسون كثيراً..

و قد كان الأصل الأصيل أن هذه السعادة الغامرة التي تطفو على الوجوه،

و هذه الثغور المتلألئة بالابتسام المملوءة بالضحكات و البهجة..

كان الأصل الأصيل : أن تزيدهم قرباً على قرب ، و نوراً على نور،
ذلك حين تقفز إلى قلوبهم – و هم يرون هذه المشاهد الرائعة-
تقفز إلى قلوبهم مباشرة أفراح يوم القيامة،
و كيف سيكون الابتهاج و السرور و الانتشاء الحقيقي :

حين ينادي المنادي على رؤوس الخلائق :
لقد فاز فلان بن فلان فإلى الجنة ….!!

فترحب به الملائكة، و تهتز له الجنان، و تطرب له الحور،
و يخرج لاستقباله الوالدان كأنهم اللؤلؤ المنثور…في أبهى مشهد و أعجب منظر رأته عينان..!

و هل بعد تلك الفرحة فرحة ؟!
و هل يمكن أن نسمي أفراح الناس مهما عظمت أفراحاً
إذا قارناها بأفراح ذلك الإنسان و هو يكاد يخرج من إطار عقله و نفسه
لشدة اهتزاز روحه و قلبه بالفرحة العامرة التي لا تسعها سماء و لا أرض..!؟

يقيناً إن أفراح الناس في دنياهم ليست سوى لعب أطفال بالنسبة لتلك الفرحة الكبرى..

فعلى الإنسان أن يجعل كل فرح من أفراح الدنيا، يراه أو يمر به أن يسمع عنه،

مجرد نموذج مصغر، و مُذكّر بتلك الأفراح التي لا توصف ،

يوم تزفه الملائكة زفتها الخاصة إلى جنان و نعيم و خلود لا موت، و سعادة بلا حزن..

غير أن ذلك لا يمنعه أن يشارك الناس أفراحهم و سعادتهم و سرورهم
بل أن أمثال هذه القلوب هم وحدهم الذين يستطيعون
أن يشيعوا في أجوائهم سعادة حقيقة لا تكلف فيها، و حبوراً صادقاً
لا غبش عليه، و بهجة خاصة لا غبار فيها، و لا خداع معها..

ألا فاستعدوا أيها الصغار يثيابكم، و هداياكم ، و دراهمكم، و ألعابكم،

و أشيعوا حيثما تحركتكم عدوى السعادة ،
و ليبارك الله قلوبكم الغضة حتى تشب على الإيمان العميق و المعرفة الجيدة بالله،

فتعرفوا عندئذ أن أفراح القلوب المقبلة على الله لا تساويها أفراح في الدنيا،

و لكنها قد تشبه أفراح أهل الجنة ..(!!)

افرحوا أيها الناس في أيام عيدكم هذه ،
غير أن عليكم أن لا تنسوا أن لكم أخوة و أخوات يريدون منكم مواساة

فلا تنسوهم في غمار فرحتكم وبهجتكم ، لا تنسوا أن تواسوهم بقليل أو كثير ..

بل لا تنسوا ما يمرون به من محن وبلاء .. فاحمدوا الله على العافية ، واعرفوا كيف تؤدون شكر نعمة العافية .

ثم ان عليكم أن تحذروا كل الحذر :
فلا تجعلوا من أفراحكم مركباً إلى سخط الله و غضبه،
فان الشيطان يتربص بكم، ليغريكم بالانحراف اليسير ثم يعقبه الانحراف الكبير و العياذ بالله..

و أخيرا لا يسعنا إلى أن نقول للجميع :

تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال،

وكل ساعة ولحظة وأنتم إلى الله أقرب وأحب .