هل نعيش رمضانَ أم نعيش في رمضان؟
«نحن نقص عليك أحسن القصص..» صدق الله العظيم
(سورة يوسف)
.
الله سبحانه وتعالى عندما يقص علينا قصص الأولين من الأنبياء والمرسلين وشعوب العالم وحياتهم ومصيرهم، فان الهدف من هذه القصص التي وصفها الله بأحسن القصص، خاصة في قصة يوسف -عليه السلام- هو ان نستيقظ من نوم الغفلة، والفرق الواضح بين تلك القصتين. قصة تدعو للنوم وقصة تدعو لليقظة. وفي قصة سيدنا النبي يوسف -عليه السلام- درس عظيم في اليقظة، خاصة ونحن نعيش شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والغفران والعفو والتسامح والتجاوز على هفوات الآخرين.
سيدنا يوسف -عليه السلام- تعرض لعدة مواقف، وتحمل كثيرا من المصاعب وكانت تلك الامتحانات بتسلسلها دروسا لنا.
- أخذه إخوته من أبيه بتحايل الى اللعب في الصحراء.
- ضربوه وقيدوه ورموه في الجب.
- باعوه لقافلة بثمن بخس.
- والقافلة باعته في سوق النخاسة لعزيز مصر.
- تعرض لفتنة من بيت العزيز من قبل امرأة العزيز.
- طُعن في شرفه ودينه.
- وتعرض لفتنة نساء مصر.
- آثر السجن ومكث فيه لفترة طويلة.
- خرج من السجن وتحمل مسؤولية القيادة بعد إعلان البراءة.
- التقى بأخيه بعد فترة طويلة.
- تسبب إخوته في حزن أبيهم يعقوب -عليه السلام- وبياض عينيه من الحزن.
- وختام ذلك لقاء النبي يوسف -عليه السلام- بإخوته وأبيه وأهله في مصر والتئام شمل الأسرة.
وبعد كل هذه المعاناة والآلام والفتن والصعاب والمشاكل التي حدثت ليوسف -عليه السلام- بسبب الغيرة والحسد من إخوته، بعد كل تلك المواقف التي صادفت يوسف -عليه السلام- ماذا كان موقفه من إخوته عندما اعترفوا له بخطيئتهم «قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين»، تصور ماذا كان موقف نبي الله يوسف -عليه السلام- لم يذكرهم بما فعلوا معه ولم يعايرهم بموقفه الحالي كونه أصبح عزيز مصر. ولم يتطاول عليهم ولم يغضب عليهم، ولم ينتقم منهم، لا بالقول ولا بالفعل، ولم يستهزئ بهم، وإنما كان منه ذلك الموقف الإنساني النبيل الذي هو فعلا درس في الاستيقاظ، ودرس في العفو عند المقدرة، «قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين»، هذا هو الدرس البليغ من نبي الله يوسف -عليه السلام- من اللقاء بعد أربعين سنة من الفراق، نسي كل تلك المعاناة، يقول لإخوته «لا تثريب عليكم يغفر الله لكم»، كم نحن نحتاج الى موقف سيدنا يوسف -عليه السلام- تجاه كل من اساء إلينا، ونحن نعيش شهر رمضان المبارك، مع اننا لم نتعرض لما تعرض له نبي الله يوسف -عليه السلام- أليس هذا درسا لنا وعبرة وعظة واستيقاظا من غفلة نوم الانتقام من الآخرين. ان ما نلاقيه من بعض الاخوة لم يصل الى درجة ما تعرض له يوسف -عليه السلام- فلماذا لا نتخذ من شهر رمضان درس «لا تثريب عليكم»، «يغفر الله لكم»؟ لماذا لا نعيش شهر رمضان المبارك شهر العفو والمغفرة والتسامح، ولا نكون من الذين يعيشون في شهر رمضان من دون تفاعل مع معطياته العظيمة، فلنتسامح ونعش شهر رمضان، ولا نعيش في شهر رمضان مجرد ضيوف نخرج منه كما دخلناه.
اللهم بلغت، وعسى أن تكون الرسالة وصلت.
«.. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار».
فلنتعلم من الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الفضيل درس الغفران والعفو والتسامح مع الآخرين.