يظن كثير من المرؤوسين أن رؤساءهم ومديريهم يعيشون في راحة وسعادة، وأنهم لا يعرفون الخوف الذي يعرفه كثير من الموظفين. ويعتقد هؤلاء أن المدير بصلاحياته الكبيرة وعلاقاته الواسعة يعيش مطمئناً هادئ الأعصاب قادراً على الإبداع في العمل ودفع عجلة الإنتاج إلى الأمام، خاصة أن نجاح القسم الذي يديره ينعكس على سمعته، ويحسب له، ويؤهله للترقي إلى مناصب أعلى.. ورغم أن تجربتي كموظف قصيرة، لم تتجاوز أربعة عشر عاماً، إلا أنني - من خلال تلك التجربة ومن خلال المتابعة والمراقبة، ومن خلال سؤال الكثيرين من ذوي النظرة الفاحصة والملاحظة الذكية - أدركت أن ذلك الاعتقاد خاطئ تماماً.. إن الواقع في العالم الثالث خاصة، وفي العالم عامة، هو أن المديرين أكثر خوفاً من الموظفين، وأقل سعادة وراحة بال، في الغالب العام، وأن ذلك الخوف والتوجس والقلق الذي يصيب كثيراً من الموظفين، يصيب بيئة العمل التي يديرونها بتردي الإنجاز، والبطء الشديد في الإنتاج، ويشل الإبداع والابتكار، ويصيب الموظفين النابهين بالإحباط، لأن المدير الخائف يرفض مقترحاتهم الإبداعية الجريئة، ويقتل طموحهم نحو تسهيل العمل وتسريع عجلة الانتاج، فالمدير الخائف مهزوز، ومصاب بالتردد، ومسكون بالتوجس والخوف، ويطبق نصوص النظام بشكل حرفي، ولا يمكن أن يتجاوز ذلك إلى (روح النظام) وحكمته أو جوهره الذي يهدف إلى تسيير العمل بإبداع ما أمكن، وتسريع إنجاز الخطوط والمشروعات، وخدمة المراجعين وإشعارهم بسرعة تخليص معاملاتهم دون تعذيب أو مواعيد وترديد، كما أن المدير المسكون بالخوف، لا يمكن أن يمارس صلاحياته كاملة، وبقوة، فهو يضع لنفسه وأمام قراراته خطاً أحمر لا يتجاوزه، وهذا الخط الأحمر والذي تفتقت عنه عبقرية المدير الخائف، أقسى من حرفية النظام، وأقل من تحمل المسؤولية الممنوحة له وفق صلاحياته المعروفة، فهو لا يستخدم من هذه الصلاحيات إلا ما يعرف، وبكل وضوح، أنه في مأمن تام!!
ويعود خوف الكثير من المديرين لعدة أسباب، منها ، خوف كثير من المديرين من الإعفاء التعسفي أو نقله من المنصب الذي يفخر به إلى وظيفة هامشية (ركنه على جنب) وقد يكون المدير الخائف هنا قوي الشخصية قادراً على ممارسة كامل صلاحياته وحمل المسؤولية ولكنه يعلم، أو يتوقع، أن رئيسه الذي عينه، والذي يملك عزله، يتصف بالخوف، ويخشى هو، الآخر على منصبه، ولا يريد ما يثير في العمل، أو ما قد يغضب المديرين الأعلى منه، وسلسلة الخوف هذه، إذا استحكمت، تشكل حلقة مفرغة مفزعة تطوق الانجاز الجاد والإبداع في العمل بالأغلال، وتؤخر القرارات النافعة الجريئة كثيراً لخضوعها للتشاور الطويل المسكون بالخوف من المحاذير، وقد تؤجلها كثيراً أو تلغيها تماماً، وضحية ذلك هو العمل ومن يستفيدون منه، فالأمور تسير ببطء شديد، والتغيير نحو الأفضل مفقود أو كالمفقود.
والخلاصة أن بيئة العمل المسكونة بالخوف، سواء سكن هذا الخوف المديرين بسبب عصا رؤسائهم ، ينشئ بيئة العمل المسكونة بالخوف والتوجس وبالتالي تقلل الإنتاج وتعرقل العمل وتقتل الإبداع والابتكار، إضافة إلى آثارها البشعة اجتماعياً واقتصادياً وإدارياً وتقديمها صورة غير مشرقة وغير مشرفة للأجهزة التي يعملون فيها.
ولا بد أن يمنح المسئول الأول الثقة الكاملة للمدراء من مرئوسيهم ، وطمأنتهم وإعطائعن الصلاحية المطلقة ، والابتعاد عن التهديد والوعيد والإرهاب والإنذار بالفشل ..