هناك مثل شعبي يقول: حين قسم الله الأرزاق لم يرض أحد برزقه وحين قسم العقول رضي كل إنسان بعقله . و كل انسان يعتقد أنه أذكى وأعقل الناس وأنه قادر على حل مشاكل الكون لوحده .
لهذا السبب ترى كل شخص يتخذ من نفسه مقياساً للحكم على الآخرين ولايتصور وجود رأي مخالف كونه على خطأ .
وبالمقابل أعقل الناس من يسلم بهذه الحقيقة ويدرك ضعف عقله واحتمال نقصه - ويحرص بالتالي على استشارة الآخرين ومعرفة آرائهم ومشاركتهم عقولهم!!
ومن حسن الحظ أن داء الغرور يبلغ من الانتشار والتغلغل حد انشغال كل انسان بنفسه؛ ولكنه يتحول لكارثة حين يتفاقم لدى مسؤول يرأس عقولاً حقيقية ومجموعة كبيرة من المواهب ، فمسؤول كهذا يلغي ببساطة وجود الآخرين ويعتبر الموظفين مجرد أدوات لتنفيذ قراراته المقدسة. ولأنه "شارب بنفسه مقلب" تراه يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة معتقداً أن غيره لايحسن العمل.. والمحزن في هذا النوع من المسئولين انهم يغدون أضحوكة للصغير قبل الكبير وآخر من يعلم برأي الناس فيهم!!
ذكرت كل هذا أثناء اطلاعي على جزء صغير من كتاب "أحسن واسوأ مدير" لجيمس ميل يؤكد فيه أن اكثر المديرين تسلطاً أكثرهم فراغاً وجهلًا - وبالتالي تعرضاً للموظفين .. وكان المؤلف قد طلب من آلاف الموظفين تقييم مدرائهم فاكتشف من خلال إجاباتهم ان المدير السيء بطبعه لايستطيع - مهما حاول - ستر عيوبه ونقصان مواهبه ؛ فبعد أسبوع واحد فقط سيبدأ الموظفون بتقييم مديرهم الجديد ووضعه في المنزلة التي يستحقها .. وحين يتفقون على ابرز صفاته (السيئة او الحسنة) فأنهم في الغالب لايخطئون الحكم أبداً!!
وأذكر أنا شخصياً أن جريدة لواشنطن نشرت نماذج طريفة لمديرين اتخذوا من أنفسهم مقياساً لكل شيء مثل المدير السابق لشركة التلغراف (att) الذي كان يطلب من فروعه العالمية في آسيا وأوروبا ضبط أعمالهم حسب توقيت مقره الرئيسي في نيويورك..
وأيضاً روبرت آلين (مدير شركة t&t) الذي وعد بعدم فصل أي موظف حين يتولى رئاسة الشركة؛ ولكنه بعد شهرين فقط فصل أربعين ألف موظف (لم يتفهموا خططه الجديدة). وبعد شهرين أخرى طلب زيادة راتبه الى ستة ملايين دولار كمكافأة على تلك الخطط !!
بصراحة؛ حين يكون المرء أحمق فهو حر في نفسه..
ولكن ان يكون أحمق ومسؤولًا فيجب ان يصدر قانوناً لمنع ذلك!