بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل
أسير الشوق
أسعد الله صباحك بكل خير , في الحقيقة شدني موضوع السعادة على هذا الصباح الجميل وكما عودتنا أن تختار لنا كل ماهو جميل وأسمحل لي بهذا التعليق على السعادة .
في وجهة نظري المتواضعة أن السعادة قد تتحقق في في أمر واحد وهو
( فــــكــر وتــدبــــر ثم اشـــكــر )
(وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها) صحة في بدن امن في وطن غذاء وكساء وهواء وماء لديك الدنيا وانت ما تشعر تملك الحياة وانت لاتعلم ( واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) عندك عينان ولسان وشفتان ويدان ورجلان ( فبأي آلاء ربكما تكذبان) هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك وقد بترت اقدام وأن تعتمد على ساقيك وقد قطعت سوق أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير وأن تملاء معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الماء ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام تفكّر في سمعك وقد عوفيت من الصمم وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى وانظر الى جلدك وقد نجوت من الرص والجذام والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول.
اتريد في بصرك وحده كجبل احد ذهبا اتحب بيع سمعك وزن ثهلان فضة هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون ابكم هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع انك في نعم عميمة وافضال جسيمة ولكنك لا تدري تعيش مهموما مغموما حزينا كئيبا وعندك الخبز الدافئ والماء البارد والنوم الهانئ والعافية الوارفة تتفكر في المغقود ولا تشكر الموجود تنزع من خسارة مالية وعندك مفتاح السعادة وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء فكر واشكر
( وفي أنفسكم أفلا تبصرون) فكر في نفسك وأهلك وبيتك وعملك وعافيتك وأصدقائك والدنيا من حولك (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها)
ما مضى فات
تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره والحزن لمآسيه حمق وجنون وقتل للإرادة وتبديد للياقة الحاضرة إن ملف الماضي عند العقلاء يطوي ولايروي يغلق عليه ابدا في زنزانة النسيان يقيد بحبال قوية في سجن الاهمال فلا يخرج ابدا ويوصد عليه فلا يرى النور لانه مضى وانتهى لا الحزن يعيده ولا الهم يصلحه ولا الغم يصححه لا الكدر يحييه لانه عدم لا تعش في كابوس الماضي وتحت مضلة الفائت انقذ نفسك من شبح الماضي وقلق منه اتريد أن ترد النهر الى مصبه والشمس الى مطلعها والطفل الى بطن امه واللبن الى الثدي والدمعة الى العين ان تفاعلك مع الماضي وقلقك منه واحتراقك بناره وانطراحك على اعتابه وضع مأساوي رهيب مخيف مفزع.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر وتمزيق للجهد ونسف للساعة الراهنة, ذكر الله الأمم وما فعلت ثم قال: (تلك أمة قد خلت) انتهى الأمر وقضي ولا طائل من تشريح جثة الزمان وإعادة عجلة التاريخ.
ان الذي يعود الى الماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلا وكالذي ينشر نشارة الخشب وقديما قالوا لمن يبكي على الماضي لا تخرج الأموات من قبورهم وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم أنهم قالوا للحمار لم لا تجتر قال: اكره الكذب.
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا نهمل قصورنا الجميلة ونندب الأطلال البالية ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا لأن هذا هو المحال بعينه.
إن الناس لا ينظرون الى الوراء ولا يلتفتون الى الخلف لأن الريح تتجه الى الأمام والماء ينحدر الى الأمام والقافلة تسير الى الأمام فلا تخالف سنة الحياة....
يومك يومك
إذا أصبحت فلا تنتظر المساء اليوم فحسب ستعيش فلا امس الذي ذهب بخيره وشره ولا الغد الذي لم يأت الى الان اليوم الذي اظلتك شمسه وأدرك نهاره هو يومك فحسب عمرك يوم واحد فأجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكانك ولدت فيه وتموت فيه حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدك وجدك فلهذا اليوم لا بد أن تقدم صلاة خاشعة وتلاوة بتدبر وإطلاعا بتأمل وذكرا بحضور وإتزانا في الأمور وحسنا في خلق ورضا بالمقسوم واهتماما بالمظهر واعتناء بالجسم ونفعا للآخرين.
لليوم هذا الذي انت فيه فتقسّم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات ومن ثوانيه شهورا تزرع فيه الخير تسدي فيه الجميل تستغفر فيه من الذنب تذكر فيه الرب تتهيأ للرحيل تعيش هذا اليوم فرحا وسرورا وأمنا وسكينة ترضى فيه برزقك بزوجتك بأطفالك بوظيفتك ببيتك بعلمك بمستواك
( فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج زلا سخط ولا حقد ولا حسد.
إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة تجعلها ايضا على مكتبك تقول (يومك يومك). إذا اكلت خبزا حارا شهيا هذا اليوم فهل يضرك خبز الأمس الجاف الرديء أو خبز غد الغائب المنتظر.
إذا شربت ماء عذبا زلالا هذا اليوم فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الأجاج أو تهتم لماء غد الآسن الحار.
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة عارمة لأخضعتها لنظرية:
لن أعيش إلا لهذا اليوم.
حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك وتزكية عملك فتقول: لليوم فقط أهذب الفاظي فلا انطق هجرا أو فحشا أو سبا أو غيبة لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي وتحسين مظهري والاهتمام بهندامي والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي.
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي وتأدية صلاتي على أكمل وجه والتزود بالنوافل وتعاهد مصحفي والنظر في كتبي وحفظ فائدة ومطالعة كتاب نافع.
لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتثت منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن.
لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الآخرين وأسدي الجميل إلى الغير أعود مريضا أشيع جنازة أدل حيران أطعم جائعا أفرج عن مكروب أقف مع مظلوم أشفع لضعيف أواسي منكوبا أكرم عالما أرحم صغيرا أجل كبيرا.
لليوم فقط سأعيش فيا ماض ذهب وانتهى اغرب كشمسك فلن أبكي عليك ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود الينا ابد الآبدين.
ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الأحلام ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجل ميلاد مفقود لأن غدا لا شيء لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكورا.
يومك يومك أيها الإنسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها.