إتقان الأعمال وتجويدها ... سبيل التنمية
إن الناظر والمتأمل في السلوكيات العملية والحياتية لكثير منا، يجدها بعيدة عن ميزان الإتقان والإحسان الذي هو مطلب شرعي ، أمرنا الله تعالى به ؛ لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه سبحانه ، والإخلاص لا يكون إلا بتجويد الأعمال وتحسينها ، ويكون ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية على حد سواء .. وهذا لابدَّ أن نغرسه في نفوسنا ونفوس أبنائنا ،هذه المعاني لو نزلت واقعنا من شأنها أن تجعل لنا عزاً وكرامة من جديد ...
حول هذه المعاني من الإحسان والإتقان نقلنا عن الدكتور / خالد شجاع العتيبي – الأستاذ بكلية التربية الأساسية، وعضو اللجنة الشرعية بالأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت لنقف معه بعض الوقفات حول هذا الموضوع:
• بداية .. كيف يكون إتقان العمل في ميزان الشرع الحنيف ؟
لا شك أن الإسلام بنصوصه في الكتاب والسنة جاءت تدعو إلى إتقان العمل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) وهذه دعوة دائمة على الإحسان ، وهذه هي الحقيقة الذي بينها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور حين سأله : فأخبرني عن الإحسان، فقال :"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" ، فديننا الحنيف يجعل الوازع في قلب المسلم لأن يكون متقناً في عمله محسناً في عمله كله ، وهذا لاشك يجعل إتقان العمل عظيماً في ميزان الشرع الحنيف ، وكذلك القرآن الكريم اعتنى بهذا الأمر ففي كثير من الآيات أحياناً يذكر ويختم الآيات بأسماء وصفات الله تبارك وتعالى ، والتي تذكر العبد بأن الله مطلع عليه مثل السميع البصير الخبير العليم ، كل هذه الأسماء تدعو الإنسان بأن يكون محسناً في عمله ، حتى ولو لم يكن أحد من البشر مطلعاً عليه ، وإنما يستشعر اطلاع الله عليه ، وهذا لاشك دعوة إلى إعطاء إتقان العمل أهميته في الشرع الحنيف .
• إتقان العمل وتجويده هل هو مطلب ديني فقط أم دنيوي أم هما الاثنين معاً ؟
لاشك أنه مطلب ديني ودنيوي ، لأن الإنسان المسلم مطلوب منه عمارة الكون بالدين والدنيا ، ولاشك أن هذا موجود في آيات القرآن كما في قصة قارون ، فالله سبحانه وتعالى قال: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص/ 77
إذا هي دعوة إلى عمارة الكون عمارة دينية ودنيوية، فعلى المرء المسلم أن يعرف أنه مطلوب منه أن يتقن العمل لأن فيه عمارة الكون وأيضاً يحوَّل هذا العمل ، وإن كان دنيوياً باحتسابه وباستشعاره بأنه يقدم خدمة لمجتمعه أو لأمته أو للكون فإنه يكون مأجوراً بإذن الله تبارك وتعالى .
• الواقع الماثل في مجتمعاتنا .. كيف تراه فضيلتكم بمقياس الإتقان ؟
مما يؤسف له أنه هناك ظاهرة ، وقد تكون مشكلة أيضاً ، وهي إهمال كثيرٌ من الناس أعمالهم وعدم إتقانهم للعمل ، وهذا نابع من عدم إحساسهم بالمسؤليه ، أو عدم استشعارهم مراقبة الله لهم وأنهم لم يعرفوا أن هذا الدين جاء يتطلب من أبنائه وأتباعه أن يتقنوا العمل وخاصة كما أسلفت حديث النبي صلى الله عليه وسلم {أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه } وحديث النبي صلى الله عليه وسلم {إنما الأعمال بالنيات } ، وأمر الإنسان أن يعبد الله مخلصاً له كما قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }(البينة5) إذاً من إخلاصك في الدين أن تتقن عملك والواقع الماثل مجتمعاتنا اليوم يرثى له لماذا ؟ لأنه قل أن تجد الأمين وقل أن تجد الإنسان الذي يتقن عمله ، ولكن لا يعني هذا أن نيأس ،ولكن يرجى من مثل هذه الأعمال أو الكلمات أن تكون سبباً للإحسان والإتقان بإذن الله تباك وتعالى ..
• يسأل سائل ويقول .. كيف لي أن أتقن عملي وأجوِّده وأحسَّنه ؟ وما الوسائل التي تساعد على الوصول إلى هذه المرحلة من الإتقان في أعمالنا ؟
لا شك أن الإحسان والإتقان في العمل هي أن يؤدي الإنسان ما طلب منه على وجه المطلوب فالإنسان الذي يأتي بالفرائض فإنه يأتي بها ، وإذا طلب منه عمل شئ دنيوي فإنه يأتي به كما طلب منه دون تقصير بل يحرص على أن يكون أكمل وعلى أن يؤديه أفضل مما طلب منه لاشك أن هذا هو الإحسان وهو التجويد وهو الإتقان أما أن يأتي به وهو ناقص عما طلب منه فهذا هو الخلل ، إذن فالإحسان والتجويد والإتقان يأتي بالعمل المطلوب على وجهه و الله سبحانه وتعالى يقول : " "ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" الحديث، إذن إتقان العمل والحرص على الإتيان به أفضل مما طُلِبَ منه، هذا محبوب إلى الله مما يقرب العبد إلى ربه ولاشك أن الباعث على هذا هو إحسانك بمراقبة الله وإحساسك بأن ما تعمله تأجر عليه بإذن الله .
• هل لنا أن نقول إن من الوسائل التي تعين الإنسان على إتقان عمله أن يأخذ دورات مثلاً وينمي نفسه أو غيرها من الوسائل ؟
وهذا لاشك مطلوب من الموظف أو مطلوب من العامل أو مطلوب من كل إنسان في جهته أن يحرص على تنمية معلوماته فإن يراجع نفسه بين الحين والأخر فمحاسبة النفس ومحاولة تنميتها هذا أمران مهمان في تنمية الإنسان وفي وصوله إلى إتقان العمل في دخوله مثلاً في الدورات في الحرص على الاستفادة من خبرات الآخرين كل هذا يصب على إتقان العمل .
• هناك مقولة تنعت الأمة الإسلامية في الزمن السابق بقولها : أنها أمة تجيد فن الدعاء .. فهل الإتقان يكون في مجال الأعمال الحياتية فقط أم يكون ذلك في العبادات والطاعات وعلاقة العبد بربه ؟
الإتقان يكون في العبادات ويكون في العادات ،أو الأمور الدنيوية أيضاً ،فالإنسان ينبغي أن يحسن في جميع هذه الأشياء في الأمور الحياتية وفي العبادات والطاعات ،فالله سبحانه وتعالى يقول : ما تقرب إلي عبدي أحب مما افترضه عليه وأيضا النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه فهذا العمل عمل عام دينياً ودنيوياً .
• هناك خلقان أصيلان يتوقف عليهما جودة العمل وحسن الإنتاج وهما الأمانة والإخلاص.. ما تعليقكم ؟
لاشك أن الإنسان في حاجة ماسة إلى تقوية هذين الخلقين فيه فالإخلاص يكون في مراقبة الله سبحانه وتعالى، واستشعاره بأن الله تبارك وتعالى مطلع على عمله وهذا يجعله يبتغي بهذا العمل وجه الله، فكلما ابتغي بالعمل وجه الله تبارك وتعالى دعاه ذلك إلى أن يتقن وإلى أن يحسن، والأمانة خلق كريم يحمل الإنسان على أن يؤدي العمل كما طلب منه ، سواء كان صاحب العمل موجوداً أو غائباً وسواء كان هذا العمل يطلع عليه الناس أولا يطلعون عليه ، إن الأمانة تدعوه إلى أن يقوم بما طلب منه .
• يقول موظف : دعك من الإتقان فقد اجتهدت في العام الماضي والمدير لم يقدرني من ناحية الحوافز المادية والمعنوية والترقيات .. ما تعليقكم ؟
على الاثنين المدير والموظف الإتقان في عملهما ،وأن يحرص كل واحد منهما أن يكون حسن المعاملة مع صاحبه فإن الله تبارك وتعالى يثيب على هذا، والأمر الثاني وإنه لم يكافأ الإنسان على عمله سواء كان مدير إن كان مديراً أعلى منه و سواء كان موظف من مديره فعليه أن يؤدي عمله فإنه يبتغي بذلك وجه الله ، الأمر الثاني عليه أيضاً أن يؤدي الأمانة حتى لو لم يثاب عليها أو أن يعطى أو يقدر على عمله لأنه يؤجر عليها عند الله تبارك وتعالى ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : أدى الأمانة إلى من أتمنك ولا تخن من خانك أطع الله فيهم وأن عصوا الله فيك فلا تعص الله فيهم وكن أنت ممن أطاع الله .
• كيف نربي أولادنا ونزرع فيهم مسألة الإتقان في الأعمال ؟
في البداية يجب أن نكون قدوة حسنة لأبنائنا، فإنهم إن رأوا منا إحساناً أو إتقاناً فإن الأولاد يحرصون على تقليد آبائهم وتقليد من يرونه قدوة، أما إن قصرنا فإن هذا أول ما يهدم في أبنائنا هذا الخلق وهو إتقان العمل فعلينا أولاً أن نكون ممن يتقن العمل .
ثانياً : أن نكون ممن يثيبهم ويعطيهم من الحوافز التي تشجهم على إتقان العمل فإن أحسنوا أعطيناهم من الحوافز والجوائز التي تكون سببا في استمرارهم في هذا المسلك ، ولاشك أن التذكير دائماً بأن الله سبحانه وتعالى يحب مثل هذه الأعمال والربط بين هذا الولد وبين ربه تبارك وتعالى تنمية لقضية الوازع الديني والمراقبة التي تكون سبباً بإذن الله لإتقانه في عمله .
.
واخيرا نسال الله العظيم ، رب العرش العظيم أن يرزقنا حسن القول والعمل ، إنه نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، واحشرنا معهم يا أكرم الأكرمين .
اقبلوا تحياتي
رد مع اقتباس
