"السجينات السعوديات" الفئة المنسيّة!
منقول :
تهاني السالم
أظهرت دراسة حديثة أنَّ 36 في المائة من السجينات السعوديات يَعُدْن إلى الجريمة بعد الإفراج عنهنّ لافتقادهنّ التقبُّل الأسري, حسب الدراسة التي أجرتها الباحثة الاجتماعية السعودية بدرية العتيبِي. فحينما تخطئ الفتاة وتُذنب تحاول أن تنتشل نفسها من مستنقع الخطيئة قبل أن تغرق فيه، لكن حينما ينكشف أمرها وتواجه مصيرها تُظْلِم الدنيا في وجهها!, وخاصَّة أن هناك من فئات المجتمع من لا ترحم وتأخذ بالخطيئة وتلصقها بالفتاة ما حييت مما يُسبب حالة نفسية سيئة للفتاة المسيئة!, ويُمارس معها ذوو القربى- فضلاً عن المجتمع- أبشع أنواع الإقصائية والعنف النفسي.
"السجينات" عالم حزين, وعيب اجتماعي يكره الكثير الحديث عنه, بل هم من الفئة المنسِيَّة التي يحاول المجتمع أن لا يُلقى لها بالاً!!, فكيف نؤهِّل السجينة التائبة للانخراط في المجتمع والتمازج معه؟ ولماذا نُمارس الإقصائية والعنف النفسي معها, مع أنها تابت وقضت كفَّارتها في السجن؟
مجتمع لا يتقبل السجينة!
"هناك قاعدة تقول: إن في السجن آلافًا لكن هناك مِمَّن مارسوا نفس الجريمة خارجه بأضعاف الأضعاف لكن ستر الله عليهم" حسب قول د.صالح العصيمي (الداعية الإسلامي), الذي أضاف: "فأنت حين يُقال إن فلان سُجن فهذا رجل لم يستر الله عليه، وغيره قد ستر الله عليه, فيجب أن يُعامل السجين وفق الأُطر الشرعية، فمن أذنب وعُوقب يستحق العقاب، ولكن يجب أن لا نُمدد العقاب خارج السجن، فالمرأة قد ترتكب خطأً في حق أهلها لكن أيضًا التوبة بابها مفتوح, فعلى الناس أن لا يغلقوا أبوابًا قد فتحها الله سبحانه وتعالى".
وبيّن الدكتور العصيمي أنَّ "الموضوع فيه حساسية زائدة وفيه نوع من العيب الاجتماعي لكن جرائم النساء تتفاوت, فمنها جرائم تتعلق بالعرض وهي أشدها حساسية، ومنها ما يتعلق بسرقة أو قذف أو تزوير أو عدم سداد دين، وهذه أيسر وأهون وقد يتقبلها المجتمع، إلا أنه غالبًا لا يرفض المرأة التي أذنبت إلا إذا كانت جريمتها عن طريق العرض", وأكّد على خطأ هذه النظرة ودلّل على ذلك بحادثة المرأة الغامدية التي زنت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم, وذكر أنها " اعترفت بذنبها ولم يُعيِّرها أحد أو يعيبها, ولم نجد أن أهلها قد تبرّأوا منها, مع أنَّهم أشد ورعًا وأشد تدينًا, ولكنهم ضبطوا أمورهم بضوابط، وخاصة أن المرأة قد تابت توبة صدقت فيها مع الله".
ويرى أنَّه "لابدَّ أن يتم توعية المجتمع, من إدارة السجون مع أولياء السجينات بتعريفهم الأحكام الشرعية، وتكثيف البرامج عبر الإعلام, وليس هذا من باب تشجيع المجرم على جريمته، لكن حتى لا تعذب مرتين ولا يستمر إيذاء مثل هذه المرأة", كذلك يجب أن "تمارس اللجان الاجتماعية دورها في حلّ مثل هذه القضايا بأن تزوج المرأة من رجل حدث منه مثل هذا الأمر فيستر كلٌّ منهما على الآخر، أو تكون هناك حلول لأن كثيرًا من الآباء يرفض استقبال ابنته, فلا يجوز للأب أن يتبرأ من ابنته أو أخته ولا للابن أن يتبرأ من أمه بل لابدَّ مِن تقبل توبة مَن تاب الله عليه". وأضاف: بأن "الأصل للمرأة القرار في البيت, لكن لو أعطيت المرأة مثلاً مهنة وتعلمتها في السجن كالخياطة والحياكة وتجميل النساء فتبدأ تُمارس عملاً خاصًا بالمرأة فهذا أمر جيِّد, والأفضل عدم خروجها؛ لأن خروجها يزيد من الشكوك حولها وقد يُشجع خروجها أن تنحرف النساء؛ لأن من انحرفت وجدت عملا والتي لم تنحرف ما تزال تبحث!! فهذا خطأ ".
متطلبات الإصلاح!
ومن جهة أخرى يؤكد د.خالد باحاذق (المستشار النفسي والأسري) أنَّ في الأصل لم يكن هناك سجن فقال: "في أصل الإسلام لم نكن نعرف شيئًا اسمه سجن، فالمرأة المحصن التي زنت لَمَّا أرادت أن تتطهر أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إحدى الصحابيات حتى تقوم برعايتها حتى تضع، فوضعت وطلبت من الرسول أن يُطهِّرها ومع ذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابية أن ترعى الصبي. حتى المشركين المأسورين كانوا يؤتى بهم إلى المسجد فيقوم الصحابة برعايتهم، أمَّا أن يكون هناك مركز للسجن وعزل الناس في السجن في الأصل لم يكن موجودًا, ولكن هي قضية مستحدثة وللمسئول اختيارات في قضية عزلهم عن الناس، والأمر الثاني: أن يكون للشخص المذنب مَن يرعاه كما حصل للسارقة حينما أخطأت أخذتها إحدى الصحابيات وتولَّتها بالرعاية، ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابية في رعايتها لمن سرقت.
أما الأمر الثالث: عدم التفريق بين السجينة في حال كونها أمًّا وولدها إلا في ضرورة؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)), ومن متطلبات الإصلاح إعادة النفوس إلى طيبتها وأن تكون العقوبة أيًا كانت هذه العقوبة هي ردّة فعل لسلوك سَيِّئ، فعمليًا إذا انتهت كفارتها من السجن أو بأي عقوبة أخرى نتعاطى معها كإنسان, فكل إنسان معرَّض للخطأ, ولكن إذا دفع ثمن الخطأ نبدأ نُعيد عملية تأهيله ليرجع للمجتمع وهو بكامل إمكاناته وعطائه, والواجب على مَن يقوم برعاية المرأة تأهيلها للمجتمع من جديد بل يجوز للمرأة المحكوم عليها أن تُقاضي أمام المحكمة الأسرة إذ لم تقم بدورها, وعلى القاضي أن يتخذ إجراءً حيال ذلك ليتسنَّى للمرأة أن تعيش من خلال المنطلقات النفسية أو حتى المنطلقات الشرعية ".
جمعية الشقائق لتأهيل السجينات بجدة!
وقد أظهرت اللجان الاجتماعية دورًا كبيرًا في حلّ مثل هذه القضايا, حيث شرعت جمعية الشقائق النسائية في تأهيل خمسين سجينةً ضمن برنامجها الجديد (تأهيل السجينات نفسيًّا وحرفيًّا) وهو برنامج يتكون من أربع دورات حرفيّة وعشر دورات في تطوير الذات، يستهدف السجينات اللاتي قاربت مدة عقوبتهن على الانتهاء، وتهدف الجمعية من إقامة مثل هذه البرامج إلى تعزيز الثقة في النفس ومواجهة نظرة المجتمع والتخلُّص من المشاعر السلبيّة وضغوط الحياة واكتساب المستفيدة مهارات حرفية في تعلُّم مهنة، ومهارات استخدام الحاسب الآلي، وقد قامت الجمعية بإنشاء صالون تجميل مجهّز تجهيزًا حديثًا من أجل تدريب السجينات على أسس المكياج والتسريحات.
الجدير بالذكر أنّ جمعية الشقائق النسائية بجدّة من الجمعيّات النسائية الرائدة بالمملكة التي تميّزت بتنوع برامجها ومخاطبتها لجميع الأعمار والفئات السنيّة من النساء بأسلوب عصري وجذَّاب يتناسب مع احتياجات المرأة والفتاة؛ إذ بلغ عدد المستفيدات من برامج الجمعية لعام 1429هـ (43.889) مستفيدة.
ومن هذا المنطلق, فقد رفع موقع (رسالة المرأة) لواء حملة (أعيدونا إليكم), بهدف إيقاظ القلوب, وتوجيه الأبصار, ومدِّ الأيادي تجاه هذه الفئة المستضعفة.