الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد الطاهر الأمين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
قال الله تعالى:
{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}
(سورة القيامة)
وقال تعالى عن الكفار:
{كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}
(سورة المطففين) وقال الله تعالى:
{ليس كمثله شىء وهو السميع البصير}
(سورة الشورى).
وعن صهيب رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم، فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم
".(رواه مسلم).
الله تعالى خلق العباد منهم المؤمن ومنهم الكافر وقد أعد للكافرين عذابا أليما وهيأ للمؤمنين العيش الرغيد والنعيم المقيم وقد وعد الله عباده المؤمنين الصالحين دخول الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأكبر وأعظم نعمة يعطاها العبد في الجنة في الآخرة رؤية ذات الله المقدس، أما في هذه الدنيا الفانية فقد حجب الله عنا ذلك. والكافر لا يرى الله لا في الدنيا ولا الآخرة لأنه كفر وطغى ولم يؤمن بالله تبارك وتعالى.
واعلم أخي المسلم أنّ الرؤية لله تعالى في الجنة تكون بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة ولا مسافة قرب أو بعد ولا كيفية ولا حجم ولا لون، يرون شيئا لا كالأشياء الحادثة المخلوقة ولا يكون عليهم في هذه الرؤية اشتباه ولا أدنى شك هل الذي رأوه هو الله أو غيره كما لا يشك مبصر القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب أن الذي رآه هو القمر ففي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته
" (رواه مسلم).
فقد شبه النبي عليه الصلاة والسلام رؤيتنا لله تعالى من حيث عدم الشك برؤية القمر ليلة البدر ولم يشبه الله تعالى بالقمر فإنّ كثيرا من الجهال إذا ذكر أمامهم هذا الحديث يتوهمون أنّ الله يشبه القمر وقد صرّح بعض العوام بذلك وهذا سفه من الكلام. فحاشا أن يكون الله شبيها للقمر أو لغيره من المخلوقات وهو الذي وصف نفسه في القرءان الكريم فقال: {ليس كمثله شىء}.
ولا يجوز تفسير قوله تعالى:
{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}
بنظر التفكير والاعتبار كقوله تعالى:
{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}
(الغاشية).
لأن الدنيا دار عمل والآخرة دار حساب وكذلك لا يجوز أن يكون بمعنى نظر الانتظار كقوله تعالى:
{ما ينظرون إلا صيحة واحدة}
(يس)
لأنه ليس في شىء من أمر الجنة انتظار بل ينال المرء فيها ما تشتهيه نفسه بدون انتظار لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير والآية
{إلى ربها ناظر}
خرجت مخرج البشارة للمؤمنين وأهل الجنة ممكنون مما أرادوا وقادرون عليه فإذا خطر ببالهم شىء حصلوا عليه مع خطورة ببالهم.
الدليل على جواز رؤية الله في الآخرة:
ومما يدل على أنّ الله عز وجل يرى بالأبصار قول الله حكاية عن موسى عليه السلام:
{رب أرني انظر إليك}
(الأعراف)
فلا يجوز أن يكون نبي من الأنبياء قد ألبسه الله جلباب النبيين وعصمه مما عصم منه المرسلين يسأل ربه ما يستحيل عليه فقد علمنا من ذلك أنه لم يسأل ربه مستحيلا وأنّ الرؤية جائزة على ربنا عز وجل والدليل على ذلك قول الله تعالى لموسى عليه السلام:
{فإن استقر مكانه فسوف تراني}
(الأعراف)
فلما كان الله قادرا على أن يجعل الجبل مستقرا كان قادرا على أن يمكّن نبيه موسى من أن يراه فدل ذلك على أن الله قادر على أن يري نفسه عباده المؤمنين، فقوله تعالى لموسى:
{لن تراني}
أراد به في الدنيا دون الآخرة بدليل قوله تعالى:
{فإن استقر مكانه فسوف تراني}.
أما عن الآخرة فقد قال
{تحيتهم يوم يلقونه سلام}
(سورة الأحزاب).
واللقاء في هذه الآية ليس بمعنى اجتماعهم بالله لأن الله لا يوصف بالجسم بل بمعنى الرؤية لله وهم في الجنة، وقال في حق المؤمنين أيضا:
{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}
(سورة يونس)
وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم المبيّن عن الله عز وجل أنّ الزيادة في قوله تعالى: "وزيادة" رؤية الله تبارك وتعالى.
ملاحظة هامة:
إنّ ما أثبته الله تعالى في القرءان وجاء به نبيه صلى الله عليه وسلم فحقه التسليم والقبول ومنه رؤية الله الذي لا يشبه شيئا ولا مسوغ لنفي رؤية الله بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنكم سترون ربكم"
وهذا زيادة في التكريم للمؤمنين في الجنة ولكن ليس كرؤيتنا لبعضنا وليس اجتماعا بالله كاجتماع المصلين بإمامهم في المسجد لأنّ الله تعالى يستحيل عليه السكنى في مكان، قال سيدنا الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه: "كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان".
اللهم ارزقنا رؤيتك في الآخرة ورؤية نبيك الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.