بسم الله، والحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليمم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وإنفعنا بما علمتنا وزدنا علما، اللهم آمين.
إن الإنحياز بمعناه الإداري هو الميل بغير حق إلى فئة معيّنة من الموظفين على حساب آخرين، مما يُسبب غياب العدل وتفشي الظلم، يقول الله سبحانه وتعالى في مُحكم التنزيل: { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } المائدة من الآية 8.
لعل الإنحياز الإداري من أكبر المصائب التي حلّت بالمنشأة العربية عموماً والشرق أوسطية خصوصاً، حتى تفشى هذا السرطان الأسود وانتشر فأصبحت لا تخلو منه منشأة.
فقد أصبح مدير القسم أو الدائرة أو حتى مدير عام المنشأة يحشد من حوله بعض الموظفين – الثُلة بزعمه – حتى يصبحوا كما يُقال بالعاميّه – من جماعته! – ، لمجرد أنه قد رأى منهم ما لم يراه من غيرهم من التبعية في العمل وعدم مخالفتهم لقراراته، وبهؤلاء الإمّعة يتسنى له إنجاز أهدافه – الخاصة – على حساب أهداف المنشأة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا )) جامع الترمذي 364.
ويترتب على هذا الإنحياز آثار سلبية تؤدي في نهاية المطاف إلى إنهيار المنشأة، ونذكر منها:
ظهور الإستبداد لدى الموظفين المفضلين وإستخدام الموظفين المضطهدين ككبش فداء لعدم وصول صوتهم للإدارة العُليا.
تخصيص العلاوات السنوية والدورات التدريبية للموظفين المفضلين وعدم تطبيق نظام الحوافز بعدل.
توليد الأحقاد بين العاملين في المنشأة.
ظلم الموظفين المضطهدين وعدم الإعتراف بجهودهم بسبب عدم رفع التقارير الصحيحة عنهم للإدارة العُليا.
قلة المنافسة الشريفة واتكال الموظفين المفضلين على إنحياز مدرائهم الأعمى لهم.
إنتشار الجهل المعرفي بين الموظفين المضطهدين وحجب المعلومات عنهم.
إنتشار الفتور واللا مبالاة لدى الموظفين المضطهدين وقتل الطموح لديهم وعدم إعطائهم الفرصة لإثبات قدراتهم.
خسارة المنشأة لمواردها البشرية – الأكفأ ربما – بسبب ضعف ولاء الموظفين لها وإستقالتهم.
زعزعة المكانة الإدارية للمدير المباشر بسبب إنحيازه الجلي، حيث يبدأ الموظفين المضطهدين بتجاوز التسلسل الإداري بحثاً عن إتصال بينهم وبين الإدارة العُليا لإيصال شكواهم.
إنعدام العصف الذهني (الفكرة البارعة) بإلغاء مشاركة كافة قطاعات الموظفين في حل المشكلات وصنع القرارات والتخطيط لأهداف القسم أو المنشأة.
ومن الحلول المطروحة لتجاوز هذه المشكلات:
إيجاد إتصال مباشر بين أرباب المنشئات وجميع قطاعات الموظفين حتى يتسنى معرفة الحالة الحقيقية للمنشأة.
تخصيص لجنة دورية لتقييم المدراء من خلال آراء الموظفين.
إعطاء الحق لقسم شؤون الموظفين لتفعيل نظام الحوافز ومتابعة حاجة الموظفين للدورات التدريبية بحيث لا تبقى في يد المدير المباشر وحده.
إيجاد معايير إدارية واضحة تخدم قطاع الموظفين.
التحقق من صحة الشكاوى المرفوعة إلى الإدارة، يقول الله تعالى: { إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } الحجرات من الآية 6.
إعطاء المدراء دورات في الإدارة المُحترفة مثل دورات في بناء فريق عمل مُتكافئ، ودورات في التعامل مع المرؤوسين.
إدراج الإنحياز الإداري في لائحة المنشأة الجزائية.
إحياء الأخلاق الإدارية لدى المدراء.
وختاماً، أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا الطرح مدراء المنشئات، وأن يتقوا الله في مرؤوسيهم، وليعلموا أنهم مسئولون غداً أمام الله { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } الصافات الآية 24، ومسئولون اليوم أمام أرباب المنشئات، فليكونوا مثال التعاون على الخير كما يقول سبحانه وتعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } المائدة من الآية 2.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
( منقول للفائدة )