متى تجوز الرشوة؟
علاج الإسلام للرشوة
(أ) النهى عن الكسب الحرام:
يقول تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون (188) (البقرة)، وقال تعالى عن اليهود: سماعون للكذب أكالون للسحت (المائدة:42)، وسمي المال الحرام سحتاً لأنه يسحت الطاعات أي يستأصلها.. وقيل: سمي الحرام سحتاً لأنه يسحت مروءة الإنسان، والقول الأول أولى، لأن بذهاب الدين تذهب المروءة، ولا مروءة لمن لا دين له.
قال ابن مسعود وغيره: السحت الرشا، وقال عمر بن الخطاب }: رشوة الحاكم من السحت وعن النبي { أنه قال: "كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به" قالوا: يا رسول الله! وما السحت؟ قال: "الرشوة في الحكم"
وعن علي } أنه قال: السحت الرشوة وحلوان الكاهن والاستعجال في القضية.
(ب) الدعوة إلى الكسب الحلال:
قال تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين 168 (البقرة). وقال سبحانه: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم 51 (المؤمنون). ويقول تعالى: ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث (الأعراف:157).
وعن أبي هريرة } قال: قال رسول الله {: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم 51 (المؤمنون) وقال: أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم (البقرة:172) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يارب يارب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك"؟!
(ج) طرد الراشي والمرتشي من رحمة الله:
عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله {: "لعنة الله على الراشي والمرتشي"
ومن لم تسعه رحمة الله فلن تسعه رحمة من سواه، ومن فقد الله تعالى فقد كل ما عداه.
(د) الدعوة إلى قضاء حوائج الناس:
يقول تعالى: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على" كل شيء مقيتا 85 (النساء).
ومن الإشارات الدالة في الآية تذييل الآية بقوله سبحانه: وكان الله على" كل شيء مقيتا 85 (النساء) فهو سبحانه الذي يقيت عباده وهو كافلهم ورازقهم، فهم ليسوا بحاجة عقلاً لأن يطلبوا رزقهم من الحرام، بل إنهم مطالبون بأن يسعوا ويجتهدوا، والرزق عطية الله تعالى التي يسوقها لعباده كيف يشاء.
قال {: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه ديناً، أو يطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام"
وعن أبي موسى قال: كان رسول الله { إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: "اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما أحب"
(ه) تأكيد معاني الأُخوة بين المسلمين:
قال {: "المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله". وله شاهد من حديث سهل بن سعد مرفوعاً بلفظ: "إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس"
(و) تأكيد معاني الأخوة العامة:
مرت جنازة على رسول الله { فقام لها واقفاً فقيل له: يا رسول الله! إنها جنازة يهودي! فقال: "أليست نفساً"
هذه الأخلاق الرفيعة التي تحترم الآدمية بصرف النظر عن معتقدها هل يعقل أن يتدنى صاحبها ليأكل أموال الناس بالباطل ويسطو على ما ليس له؟
متى تجوز الرشوة؟
قال أبو الليث السمرقندي الفقيه: لا بأس بأن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة.
وهذا كما روي عن عبدالله بن مسعود أنه كان بالحبشة فرشا دينارين وقال: "إنما الإثم على القابض دون الدافع"
وعن وهب بن منبه أنه سئل: الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال: لا؛ إنما يكره من الرشوة أن ترشى لتُعطَى ما ليس لك أو تدفع حقاً قد لزمك، فأما أن ترشو لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام.
ويلحق به ما يفرض فرضاً على الناس في بعض المصالح من المال؛ الذي لو لم يدفعه لا تقضى مصلحته، فعندئذ يدفع، والإثم على من ألجأه إلى أن يصل إلى حقه بهذه الطريقة.
نامل من الله الفائده للجميع والله الموفق