باعتبار أنّ كل حدث يفرز تساؤلات وتكهنات وتخرصات، جاءت المنتديات لتتساءل أين نتائج التحقيقات حول فاجعة سيول جدة؟ وهي طبيعة أي مجتمع يستعجل النتائج وفي قضايا تتطلب توسيع التحليلات وجمع المعلومات والاستعانة بالشهود، إلا أن خادم الحرمين الشريفين عجّل بإصدار أمره بإحالة جميع المتهمين إلى هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة التحقيق والادعاء العام مع تنظيم جديد يراعي العديد مما خلفته تلك الفاجعة، وعدم تكرارها في مواقع أخرى، بسن تشريعات لها..
الملاحقة الشرعية والقانونية لحالات التجاوزات والفساد الإداري والمالي والتهاون بالمصالح الوطنية التي أدت إلى إزهاق الأرواح وإلحاق الضرر بشريحة مهمة من المواطنين تعتبر أمانة في عنق الدولة ولعل إدراج فقرة " أن تقوم وزارة الداخلية بإدراج جرائم الفساد المالي والإداري ضمن الجرائم التي لا يشملها العفو الوارد في ضوء التعليمات والأوامر والتنظيمات بمكافحة الفساد" خطوة رائدة، بل وشجاعة، لأن استشراء هذا المرض سوف يؤسس لفساد آخر، وعندما تتراكم هذه الحالات يصعب معالجتها حتى في العمليات الجراحية..
صحيح أن التجاوزات تجري في بلدان على كفاءة عالية في أحكام القانون لكن عندما نخضعها للنسب بين دول مستقلة المحاكم والتشريعات بأخرى قوانينها مطاطة تجعل المحاسبة خاضعة لاعتبارات تحددها الجهات العليا، إلا أن الملك عبدالله سارع لأنْ يكون رجل الحكم والعدل أي أن التسامح بالإخلال بثوابت الدولة، وهي الأمينة على الحقوق العامة، لا يمكن تركها لفصيل من العابثين، وهي سابقة مع دول استشرى فيها الفساد، وتجذّر وخلق منظومة كبيرة من المنتفعين أصبحت تسيطر وتقوي نفسها بالعديد من الدروع القانونية والفئوية..
عمليات التصحيح تحتاج إلى إرادة التغيير في مسار الأنظمة والأشخاص وتقوية نفوذ الدولة بما يتماشى والمصالح المتداخلة بينها وبين المواطن، وكلنا يعرف أن الملك عبدالله الذي تجاوز ذاته من أجل كل الاعتبارات التي تحيط بوطنه، سواء بتسيير المشاريع غير المسبوقة، أو إعادة وتحديث كل الأنظمة الشرعية والإدارية والتجارية وغيرها، يريد في الوقت نفسه تطهير الساحة من أي نفوذ لا يراعي الالتزام بمبادئ الأمانة الذاتية أو ما يعهد لأي إنسان من مسؤوليات تستوجب الالتزام بأخلاقيات الوظيفة أياً كانت صفتها وما يترتب عليها من واجبات وحقوق..
بصورة عامة الحادثة لا تُرى بالعيون السلبية بحيث يجري تعميمها كظاهرة عامة على العديد من العاملين في أجهزة الدولة وغيرها، بل الاستثناء هم من يتجاوزون النظام لا من يلتزمون به كواجب وأمانة، وهنا عندما تقف الدولة من تلك الشريحة وتضعها أمام المساءلة والحكم العادل فإنها تؤدي واجبها الديني والوطني، وتحمي أخلاق الناس بين من يتواطأ على سلبهم حقوقهم بدون وازع ديني، وبين من يحافظ عليها، والدولة هي الرقيب والأمين، ولذلك جاء موقف الملك عبدالله متماشياً مع ما يمليه ضميره وأمانته ومسؤوليته، وهو المعنى الكبير لسياسة جذ الفساد أياً كانت دواعيه وأهدافه..
المصدر : http://www.alriyadh.com/2010/05/11/article524667.html