الجدة في طفولة كل منا هي الغفران الدائم والصدر السمح.. لا تخلو يداها من حلوى ولا تخلو صناديقها وقراطيسها من مفاجأة.. توزع حنانها على الأحفاد كل حين.
ومثل جداتنا كانت جدة، مدينتنا السمحة، توزع حنانها على كل المواطنين، المقيمين والزائرين، لا غربة في أحضانها ولا ينتهي غفرانها. نهرب جميعا إلى حنانها فتغمرنا بأنسها وتسامحها ونقتسم حلواها وحكاياتها.
قالوا إنها تنسب لجدتنا حواء أم الجميع، فإذا هي حزن الجميع، وقالوا إنها تنسب للجادة، الطريق المستقيم فإذا هي ذمم واسعة لا تنتهي تعاريجها.
كنا نسميها عروس البحر، ونلقبها الثغر، ونقول عنها بوابة الحرمين، حتى إذا أجهدها المطر أفقنا على أكاذيبنا، فلاهي عروس ولا بوابة ولا ثغر.
أحرجناها بخيالنا فأحرجتنا بدموعها، وأربكناها بأشعارنا فأربكت ضمائرنا.
تحت سمع وبصر الدنيا كلها خرجت جدة مفضوحة النحيب تجرجر أحشاءها في الطرقات، تتساقط دما وخجلا وأرواحا، طال صبرها وصمتها وغفرانها حتى سرى بها السيل، فتكشفت قيعانها عن عقوق وجرائم فساد، وعن عفونة تزكم ضمير البلاد.
لا بد أن أشخاصا كانوا يرون أثر فسادهم وخيانتهم وموت ضمائرهم حين كان الموج يدخل على الآمنين بيوتهم، ويحول بين الطفل وأمه، وبين الأب وأسرته، ويوزع الفجائع والأحزان من النوافذ والأبواب، فهل شعروا بوخزة ضمير وهم يراقبون مواطنيهم عالقين في مخالب الدمار وبين أنياب الموت لا يملكون حيلة ولا يعرفون غريما؟
إن نصف ما حدث تقصير في أداء موظفين فهذا تبسيط وتهاون بحياة الناس وحقوق البلد والمواطنين. الرجل الذي غرق في السيل كان أنت وأنا، والطفل الذي التقمه الموج هو طفلك وطفلي، كل ظلم يقع على مواطن واحد في هذه البلاد هو ظلم على الجميع، وإلا كيف نكون مواطنين.
الفساد شيء طبيعي كما أن فضحه ومعاقبته شيء طبيعي ، لكن غير الطبيعي حين يتأخر الحساب ولا يعرف الناس المجرم ولا يرون عقابه المستحق العاجل.
منقول ، جريدة الوطن :
أحمد السيد عطيف 2011-02-09 3:44 am
حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن تسبب في ذلك كبيراً كان أو صغيراً .