التمثال الأشهر لملكة مصر القديمة لا يزال موضع نزاع بين مصر وألمانيا التي لا تزال تحتفظ به منذ العام 1920.
تتنازع مصر وألمانيا ملكيته منذ تسعين عاما لكن تمثال نفرتيتي الجميلة بقي في متحف الفن المصري بمدينة برلين لان أدولف هتلر كان من أشد المعجبين به.
وفي نزاع عمره عمر أرض النيل ذاتها، لم تكف مصر عن المطالبة بأحقيتها في ملكية تمثال الملكة الجميلة قائلة إن برلين تحتفظ به بصورة غير قانونية.
ويعد التمثال واحدا من أعظم قطع الاثار المصرية القديمة وهو تمثال نصفي عمره 3300 عام للملكة التي تنتمي للاسرة الثامنة عشرة في مصر الفرعونية.
والان تقرر نقل الملكة نفرتيتي مرة أخرى ولكن ليس إلى وطنها مصر بل إلى مكان آخر يليق بملكة في برلين حيث سينصب التمثال على قاعدة جديدة فيما كان يعرف ببرلين الغربية في نقطة حراسة سابقة في قلب برلين الموحدة الان.
فقد بدأت جراح تقسيم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية تلتئم ولذا تقرر لم شمل مجموعة الاثار المصرية في العاصمة الالمانية وهي واحدة من أروع المجموعات الفنية خارج مصر ذاتها في مكان واحد أخيرا.
والتمثال الملون المصنوع من الحجر الجيري والجص والذي يصور بدقة مفاتن امرأة رائعة الجمال ترتدي غطاء رأس فريدا مخروطي الشكل هو أهم قطعة في مجموعة الاثار المصرية ببرلين منذ اكتشاف علماء الاثار الالمان له وسط أطلال ورشة نحات قديم على ضفاف النيل عام 1912.
وحفظت مجموعة الاثار في البداية في متحف نويز (المتحف الجديد) على بعد بضعة أمتار من قصر هوينتسولرن في قلب برلين. وتمشيا مع الاتجاه السائد في ذلك العصر صمم المتحف من الداخل ليبدو كمعبد مصري قديم زينت جدرانه بنقوش هيروغليفية.
ولكن مع سقوط القنابل على برلين أثناء الحرب العالمية الثانية سارعت إدارة المتحف بإخفاء الكنوز الفنية في العاصمة الالمانية في مكان خارج المدينة. وبعد انتهاء الحرب كان جزء من هذه الكنوز مخبأ في ألمانيا الشرقية والجزء الاخر في ألمانيا الغربية.
وانتهى المطاف بنفرتيتي في الشطر الغربي حيث نصب تمثالها في المتحف المصري المؤقت ببرلين الغربية في نقطة حراسة سابقة تقع في مواجهة قصر كارلوتنبورج. لكن الجزء الاكبر من مجموعة الاثار المصرية في ألمانيا بقي في الشطر الشرقي حيث عرض في متحف "بودة" في برلين الشرقية إلى أن سقط سور برلين.
وسعت برلين منذ ذلك الحين لتجميل نفسها بما في ذلك إعادة بناء مجمع المتاحف الذي يرجع إلى القرن التاسع عشر وكان في الماضي أهم معالم منطقة وسط المدينة.
ويتوقع أن تقطع المدينة شوطا كبيرا في هذا المجال بحلول منتصف عام 2005 بما يسمح بلم شمل مجموعة الاثار المصرية تحت سقف واحد للمرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية.
وستنقل الملكة نفرتيتي من نقطة الحراسة السابقة في الثاني من آذار/مارس المقبل مؤقتا إلى قاعة معرض "كولتور فوروم" في ميدان بوتسدامر بلاتس في وسط برلين. وسيكون التمثال هناك محور معرض يستمر ستة أشهر حول النقوش الهيروغليفية وتأثيرها على الفن حتى العصر الحديث.
وإذا سارت الامور وفقا للخطة الموضوعة فإن نفرتيتي ستنتقل بعد ذلك إلى متحف ألتيز (المتحف القديم) الذي أعيد بناؤه حديثا.
وتحول مبنى المتحف بعد تجديده إلى تحفة من التحف المعمارية التي ترجع إلى القرن الثامن عشر وبالتالي سيكون منزلا ملكيا يليق بملكة مصر القديمة.
لكن متحف ألتيز سيكون نزلا مؤقتا للتمثال حيث أن مكان الملكة نفرتيتي الاصلي في متحف نويز القريب سيكون جاهزة بحلول عام 2008 أو 2009 لتعود الملكة إلى "منزلها" أخيرا.
ويحيط الغموض بالتمثال منذ اكتشافه في السابع من كانون الاول/ديسمبر عام 1912 بحالته الاصلية وألوانه الزاهية على يد رجل الاعمال اليهودي الالماني المهتم بالاثار جيمس سايمون والذي سمحت له الامبراطورية العثمانية عام 1913 بالاحتفاظ به.
ونقل سايمون التمثال إلى أوروبا وعرضه في منزله ببرلين قبل أن يعيره إلى متحف المدينة ثم أهداه في نهاية المطاف لينضم إلى مجموعة برلين الاثرية عام 1920.
وطلبت الحكومة المصرية إعادة نفرتيتي لاول مرة في عام 1933 وهو طلب كررته القاهرة كثيرا في العقود التالية.
وأبلغ رئيس وزراء بروسيا هيرمان جويرنج (التي كانت تضم برلين آنذاك) ملك مصر فؤاد الاول أن نفرتيتي ستعود إلى القاهرة قريبا.
لكن الزعيم النازي هتلر كان له رأي آخر حيث أبلغ الحكومة المصرية من خلال سفيره في القاهرة إبرهارد فون شتورير أنه من أشد المعجبين بنفرتيتي.
وقال هتلر في رسالة إلى الحكومة المصرية "نفرتيتي تدخل على قلبي السرور باستمرار والتمثال قطعة فنية فريدة .. وكنز حقيقي" مضيفا "هل تعرفون ما الذي سأفعله يوما ما؟ إنني أخطط لبناء متحف مصري جديد في برلين".
وتابع "إنني أحلم بذلك. سأبني بالداخل حجرة تعلوها قبة كبيرة وستجلس نفرتيتي الرائعة هذه (ملكة) متوجة في منتصفها .. لن أتخلى عن رأس الملكة أبدا".
وما لم يذكره هتلر في رسالته هو أنه كان يخطط أيضا لان يضم المتحف قاعة شرف أكبر تضم تمثالا نصفيا له.
ومات هتلر ودفنت معه أحلامه المجنونة لكن نفرتيتي مازالت تحتفظ بابتسامتها الصافية منذ 3300 سنة وكأنها تريد أن تقول: "كل ذلك سيفنى لكنني سأبقى".