[align=center]القرآن علاج لكل شيء
الأصل في التداوي هو: أن يكون بالقرآن ، ثم بالأسباب الدوائية حتى في الأمراض العضوية، لا كما يزعمه جهلة القراء، من أن مَن كان مرضه عضوياً فليذهب إلى المستشفيات، ومن كان مرضه نفسياً فليذهب إلى العيادات النفسية، أما إن كان مرضه روحياً فعلاجه بالقراءة !! فمن أين لهم هذا التقسيم؟ ؛ فالقرآن طبّ القلوب ودواؤها، وعافية الأبدان وشفاؤها، قال تعالى: ) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء ( الاسراء 82. وانظر إلى كلمة شفاء، ولم يقل: دواء ؛ لأنها نتيجة ظاهرة، أما الدواء فيحتمل أن يشفي وقد لا يشفي.
يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد: ( فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدّعها، أو على الأرض لقطّعها؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله ) ([1]) .
ولابد من اليقين وحسن الظن بالله: ( لأن من شروط انتفاع العليل بالدواء قبوله واعتقاد النفع به ) ([2]) ، ولا يجرب كلام الله لأن هذا خلل في الاعتقاد، فلو جرّب ماء زمزم مثلاً لم ينتفع به، فلابد من اليقين واعتقاد النفع به بإذن الله .
والحديث عن علاج القرآن للأمراض العضوية يطول ولكن أضرب بعض الأمثلة :
هناك عدد من الأمراض (عضوية أو نفسية) ، للشيطان دور كبير في استفحالها ، وذلك لأن له تحكّماً في جريان الدم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم » ([3]). فمن ذلك :
الغضب : وهو أساس لكثير من الأمراض، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال: أوصِني، قال: « لا تغضب »، فردد مراراً، قال: « لا تغضب ». ([4]). وأثره في البدن واضح ؛ فالقرحة المعدية والحرقان المصاحب لذلك والقولون العصبي ناتج عن الغضب الشديد، والسكر عند بعض الناس ناشئ عن القلق الذي سببه الغضب، وعدد من الأمراض الباطنية وغيرها من أمراض الرأس من الصداع والجلطة والسكتة الدماغية والشلل المفاجئ، وأمراض القلب والذبحة الصدرية وغيرها، للغضب دور كبير في نشوئها أو تفاقمها، وهو أساس كل شر. والغضب من الشيطان، قال تعالى: ) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ( ص 41. حتى قيل : إن أيوب - عليه السلام - أُصيب بجميع الأمراض البدنية والنفسية، فقوله: ) بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ( أي: (بتعب وألم لمرضه وعذاب نفسي ونسب ذلك إلى الشيطان، لأنه السبب، وتأدباً مع الله ) ([5]) .
وقد تمت بحمد الله القراءة على كثير من الأمراض، وبخاصة المستعصية منها، والتي ربّما سببها الشيطان، مثل: السرطان، والجلطة، والربو المزمن، والشلل الرباعي، والعقم، والسكر، والقلب، وغيرها، وتم الشفاء منها بفضل من الله ومنّة، ومثلها مرض: عدم انتظام الدورة (الحيض) عند بعض النساء، سواء بالتأخر أو بالطول دونما سبب معروف، سببه الجان، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرتين، ففي الإجابة الأولى قال: « ذاك عرق » ([6])، وفي الإجابة الثانية عندما سألته حمنة بنت جحش وقالت: كنتُ أستحاضُ حيضة شديدة، فقال: « إنما هي ركضة من ركضات الشيطان » ([7]) . فيحاول الشيطان أن يطيل فترة الحيض إما بحجز بعض الدم ثم يسمح بنزوله بعد انتهاء العدة حتى لا تصلي المرأة ولا تقرأ القرآن!، وإما أن يجرح المكان حتى يوهم المرأة فلا تستطيع أن تميّز الدم فتتوقف عن الصلاة، ومثله مرض الشلل ، فالجن يمسك الأعضاء المصابة بالشلل عند بعض المرضى فيوقف حركتها ويصاحب ذلك أعراض منها: اكتئاب نفسي مع ضيق وصداع مستمر، فإذا قُرئ عليه شعر بتنمّلٍ في الجزء المصاب بالشلل،وإذا لم يشعر بتنمّل فسببه مغادرة الجن هذا الجسم بعد أن أتلف الأعصاب وبنى الجسم على ذلك فنشأ بعد فترة طويلة على هذه الحالة،وهذه من الحالات المستعصية التي تحتاج إلى صبر وقراءة مستمرة بنية الشفاء من الله، ومثلاً: أمراض الجهاز الهضمي والعصبي والعظمي فعلاجها بأن يضع الراقي يده على مكان الألم ويقول: « أعوذ بقدرة الله وعزته من شر ما أجد وأحاذر » سبع مرات ([8]) ، فيذهب الألم بإذن الله .
أما الأمراض النفسية ([9]) فمنها:
انفصام الشخصية : وهو مرض ذهاني خطير يعالجه الأطباء النفسيون بالحبوب والإبر، ويقلّ أن يعود المريض معافى تماماً، وقد نفع الله كثيراً ممن أصابهم المرض بالرقية الشرعية فرجعوا للصحة والعافية .
الوسوسة : أحد الأمراض التي ربّما سببها الجن (وهي محاولة لقطع الاتصال بين العبد وخالقه)، تبدأ في الوضوء وتنتهي في التشكيك في العقيدة، وعلاجها:
أولاً: الوسواس الفكري وعلاجه : ذكر الله، وأن لا يلتفت للوساوس ، بل يخالفها ، ويستعيذ من الشيطان وينفث عن يساره ، ويُشغل نفسه وفكره بالذكر والعمل النافع والاجتماع بالإخوان وصلة الرحم.
ثانياً: الوسواس الحسي: ( وهو ما يعرف بالوسواس القهري عند علماء النفس )، وهو أشد من الفكري حيث يجد آلاماً متفرّقةً في جسده . وعلاجه : - إضافة لما سبق - عليه بمعالجته حسياً: بأن يتحرك وينفض عنه الكسل بزيارة الأقارب والاجتماع مع الإخوان وصلة الأرحام، والاغتسال بالماء البارد لتنشيط الدورة لدموية والتمارين الرياضية والسفر وإشاعة روح التفاؤل بالابتسام في وجه أخيه والرضا بقضاء الله وقدره، وهو بمثابة المجاهد في سبيل الله، قال الله تعالى على لسان أيوب عليه السلام: ) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَ يّوْبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ( ص 41، فلم يقل له الله عز وجل اذكر الله لطرده، لأنه وسواس حسي فلابد له من فعل حسي، بل قال الله تعالى له: )ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ( ص 42. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقرره الأصوليون .
وانظر إلى فعل الإمام أحمد - رحمه الله - ، فقد روى عنه تلميذه أبو بكر المرورُّذوي قال: خرجت مع أبي عبد الله... إلى المسجد، فلما دخل قام ليركع فرأيته وقد أخرج يده من كفّه وقال هكذا - وأومأ بإصبعيه يحركهما - ، فلما قضى الصلاة قلت: أبا عبد الله رأيتك تومئ بإصبعيك وأنت تصلي؟ قال : إن الشيطان أتاني فقال: ما غسلتَ رجليك، قلت: بشاهدين عدلين([10]).
ولا يمنع من استعمال الحبوب النفسية إن اضطر إليها، فهي مهدئة وقتية وليست علاجاً حاسماً بل هي من الأسباب المادية المأمور بها شرعاً وتضم إلى الأصل الدوائي وهي الرقية الشرعية.
الاكتئاب : علاجه المكث في المسجد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« وجعلت قرة عيني في الصلاة » ([11]). وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. والجن تحاول أن تعزل الإنسان وحده حتى تتحكم فيه، ولذلك نُهي عن الوحدة في النوم واليقظة والسفر فإذا عجزت الشياطين عنه عزلتهُ عزلةً شعورية، فلا يحس بوجوده عند الناس، فيكثر سرحانه ويتشتت فكره .
والحديث في علاج الأمراض العضوية والنفسية بالقرآن يطول ، ويرجع في ذلك إلى كتاب زاد المعاد ([12]) لابن القيم، ويكفي أن تعرف كيف كان يعالج شيخ الإسلام ابن تيمية الأمراض العضوية بالقرآن حينما كتب على صاحب نزيف: )وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( هود44 . فبرأ بإذن الله ([13]) .
فانظر إلى عظمة كلام الله وإنها ليست خاصة بالطوفان، فشبه الشيخ الإنسان بالأرض،وهذا بحد ذاته منهج قائم للعلاج القرآني، فخذ كلمة أرض في القرآن وقس عليها الإنسان: فللأمراض العصبية والروماتيزم اقرأ عليها قوله عز وجل: )وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ` وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ` وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ( الانشقاق 3 - 5 ، وللأمراض الصدرية: ) أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ` وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ` الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ( الشرح 1 - 3 ، وللأمراض الباطنية: ) إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ( الزلزلة 1. وهكذا ([14]).
وحاصل الباب قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حينما دخل عليها وامرأة تعالجها فقال: «عالجيها بكتاب الله» ([15])
q تنبيه مهم: لا يفهم مما سبق ترك الأسباب الدوائية! كالذهاب إلى المستشفيات لتشخيص وعلاج الأمراض عموماً، لكن الأساس في علاج أي مرض هو القرآن الكريم وما ورد من الأدعية،ويضم إليه السبب الدوائي لأنه مأمور به، ولكن لابد من اليقين بأن الشفاء من الله، وإذا نزل الشفاء نفع الدواء بإذن الله وليس العكس! لأن الله تعالى يقول: ) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ( الشعراء 80 .
فالدواء سبب من الأسباب الشفائية، وقد أشار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث إلى هذا مثل: « لكل داء دواء ن فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله عز وجل »([16]).
وقال: « إن كان في شيء من أدويتكم خيرٌ ففي شرطة محجم أو شربة عسل »([17]) ، فقوله:« إن كان في شيء من أدويتكم خير»، وقد لا يجعل الله فيه خيراً لأنها مجرد أسباب دوائية والأصل: الرقية الشرعية .
وقال: « عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام، والسام الموت » ([18]) ، وقال للرجل الذي استطلق بطنُه : « أسقه عسلاً » ([19]) .
وعن أسامة بن شريك قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: « نعم عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، وهو الهرم » ([20]) .
فقوله:« تداووا» أي استعملوا الدواء،ولكن هذا الدواء بحد ذاته لا يشفي إنما هو مجرد سبب فقط .
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) زاد المعاد 4/352 .
([2]) زاد المعاد 4/98 .
([3]) متفق عليه .
([4]) رواه البخاري 10 / 519 .
([5]) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، حسن علي كريمة ص 132 .
([6]) أخرجه أبو داود (286) .
([7]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح . انظر صحيح سنن الترمذي للألباني 1/40 .
([8]) صحيح مسلم 14/189 .
([9]) الفرق بين المرض النفسي و المس الشيطاني : أن المرض النفسي وهي الانفعالات إذا بولغ فيها أصبحت مقدمات للمس الشيطاني لأن الشيطان لا ينطلق إلا على عصب ثائر لذلك نُهي الإنسان أن ينام وحده ، وأن يسافر وحده لان « الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب» ،كما ورد في الحديث .
([10]) مناقب الإمام احمد لابن الجوزي تحقيق د.عبد الله التركي ص 245.
([11]) مسند الإمام أحمد 5/364 .
([12]) زاد المعاد ج4/كتاب الطب .
([13]) زاد المعاد 4/358 .
([14]) هذه مجرد أمثلة ، وهذه الآيات تقرأ على هذه الأمراض وغيرها ،كما تُقرأ على هذه الأمراض أي آيات أخرى.
([15]) السلسة الصحيحة للألباني (1931) .
([16]) رواه مسلم 14/191.
([17]) روه البخاري 7/159.
([18]) رواه البخاري 7/160.
([19]) رواه البخاري 7/159.
([20]) صحيح سنن الترمذي للألباني 2/202.[/align]