[glow="ffff00"]أليس منكم طلعت حرب [/glow]..بقلم : جميل بن محمد علي فارسي - شيخ الجواهرجية بجدة
السادة رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الأحد عشر بنكاً السعودية الموقرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أسوق لكم التهاني بالنتائج المالية الفائقة التي تحققت لكم. ففي عام واحد حصلتم على أكثر من أربعة عشر ألف مليون ريال أرباحاً صافية. فهنيئاً لكم.
تتصاعد بين الحين والآخر أصوات تطالب فرض ضرائب على أرباحكم بحجج عديدة أهمها ثلاث حجج :
الأولى: أنكم تعملون في بيئة آمنة مطمئنة وفرها لكم المجتمع, فأين حظ المجتمع؟
الثانية: أن مجتمعكم في غالبه لا يأخذ فوائد وبالتالي فالمجتمع قدم لكم المال المستخدم بتكلفه بسيطة تزيد من أرباحكم, فأين حظ المجتمع؟
الثالثة: تعملون بشكل احتكار القلة, فسوق المملكة يستوعب أضعاف عدد بنوككم، فالمجتمع قدم لكم احتكاراً مفيداً, فأين حظ المجتمع؟
لا تهتموا بكل هذه الحجج, ولا أدعوكم للتبرع لأي مشروع, ولكن دعوني أروي لكم قصة صغيرة تبين دور البنوك في المجتمع حتى بدون ضرائب. وهي قصة طلعت حرب رائد الاقتصاد الوطني المصري.
هذا الشخص ساءه أن البنوك العاملة في ذلك الوقت في مصر كانت بريطانية الإدارة وفي خدمة اقتصاد المستعمر. كانت تقرض الفلاحين بضمان أرضهم، وجاءه فلاح يبكي قائلاً إنه اقترض من البنك برهن الأرض ثم وجد أن البنك عمل على تخفيض سعر المحاصيل عند الحصاد فاستولى البنك على أرضه سداداً للقرض. فلم يفارق مخيلته منظر الدمعة في عين ذلك المواطن حتى قرر في ابريل 1920م إنشاء بنكاً وطنياً وسماه بنك مصر, رغم سخرية معظم رجال الاقتصاد من هذه الفكرة المجنونة. (نعم كانت فكرة مجنونة أن يؤسس بنكاً رأسماله 80 ألف جنية. وبقيمة 4 جنيهات فقط للسهم).
شاهد المستعمر يشتري القطن المصري خاماً رخيصاً ويبيعه منسوجاً في بريطانيا بأغلى الأسعار فجعل البنك ينشئ مجموعة شركات مصر للغزل والنسيج العملاقة.
لاحظ الموقع الذي تحتله بلاده بين الشرق والغرب في بدايات الطيران فجعل البنك ينشئ شركة مصر للطيران (نعم, البنك هو الذي انشأ شركة الطيران الوطنية) ومد نشاط بنكه ليؤسس فندق مصر. وأنشأ شركة مصر للسياحة ومصر للملاحة ومصر للتعدين ومصر للمحاجر ومصر للأنفاق والكباري ومصر للزجاج ومصر للحراريات وغيرهم.
قال له احد صانعي الزجاج "يا طلعت باشا هل أعجبتك هذه الكأس البلورية التي أنتجها مصنعي محلياً؟ لقد رفض كل من عمر أفندي وشملا وصيد ناوي بيعها في معارضهم لأنها صناعة مصرية". فكان الجواب الحاسم أن أنشاء البنك سلسلة معارض "شركة بيع المصنوعات المصرية" التي تشاهدونها الآن في كل مدن مصر لبيع المنتجات المصرية.
بل حتى في صناعه السينما، جاءه ممثل شاب وقال له أن الخواجا مزراحي رفض إشراكي في الفيلم بعدما وجدني......... فاستعان بمجموعة أصدقاء ليؤسسوا مع البنك ستوديو مصر.
انفق بشدة على تدريب موظفي البنك ولكنه اشترط عليهم أن موظف بنك مصر يمثل البنك على مدار 24 ساعة. فكان يفصل أي موظف يجده يسهر في أحد الحانات أو تحوم حوله أي شكوك من سوء تعامل مع الآخرين بل حتى في تعاملهم مع جيرانهم.
وبذلك خلق نقلة اجتماعية بالإضافة إلى النقلة الاقتصادية.
لقد علم طلعت حرب رحمه الله أن البنك له دور اجتماعي ودور اقتصادي فقام به على أكمل وجه، وغير ببنكه الخريطة الاقتصادية لمصر, بل أن بنكه هو أساس النهضة الاقتصادية والصناعية لبلده. بنك واحد أنشا 28 شركة عملاقة وساهم في تأسيس 62 شركة. وفي وقت كانت البنوك المنافسة تنال كل الرضا والدعم من المستعمر البريطاني كان هو مع الوطن, فكان الله معه.
لم يوزع أموال البنك في شكل هبات ولكن جعل كل من يلجأ إلى بنك مصر, وهو جاد, أمامه دعم لا متناهي من البنك حتى ينجح, رغم أنه كان بنكاً تجارياً يستهدف الربح ويحقق لنفسه الربح. ومن أرباحه ارتفع رأسماله من 80 ألف جنيه إلى ألفي مليون جنيه. ربح وعمل وطني في نفس الوقت.
لم يقرض أحداً لشراء سيارة ولكنه أقرض لشراء تاكسي للعمل عليه, لم يقرض أحداً لقضاء إجازة الصيف ولكنه أقرض لشراء آلة للإنتاج. فمشاريعه خلقت مئات الآلاف من فرص العمل.
وعندما ضغط المستعمر البريطاني لعزله من البنك غادر مكتب رئيس مجلس الإدارة بعد أن تلفت للمرة الأخيرة إلى ذلك المكتب الذي رسم عليه آمال أمه, وقال برضى " وإن عزلتُ فقد أنشأت جيلاً وطنياً وصناعة وطنية فكيف للمستعمر أن يعزل أمه؟ "
هذا هو بنك مصر الذي أنشأه طلعت حرب يعطينا مثلاً أن للبنوك دوراً اقتصادياً يفوق جمع المال وإقراضه.
أكرر لكم التهنئة بالأرباح, والله يحفظكم لنا ويحفظنا منكم.