تراجع الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية عن فتواه السابقة التي تجيز للمرأة أن تؤم الرجال والتي أعلنها في 15 مارس الماضي خلال بث حي لبرنامج تلفزيوني، واعتبر في برنامج للفتوى في محطة إذاعية أن صلاة المرأة بالرجال باطلة، وأن مرتكبيها أنكروا معلوما من الدين بالضرورة وابتدعوا في دين الله.
وكان الشيخ علي جمعة قد أفتى قبل يومين من صلاة الجمعة التي قامت فيها مسلمة أمريكية بإمامة الرجال في صلاة جمعة أقيمت داخل مبنى كاتدرائية في نيويورك بأن تلك الصلاة حلال اعتمادا على إباحة الإمام الطبري وابن عربي لها، وجاءت تلك الفتوى على الهواء مباشرة عبر البرنامج التليفزيوني (البيت بيتك) الذي تذيعه القناة الثانية بالتليفزيون المصري.
وقال المفتي إن هذين العالمين يختلفان فقط في مكان وقوف المرأة إذا صارت إماما.. هل يكون أمام الرجال أم بمحاذاتهم؟ باعتبار أن السترة قد تنتفي خلال حركات الصلاة المختلفة.
ومثلما أطلق مفتي مصر فتواه الأولى التي أثارت ضده هجوما حادا من قبل الكثيرين، على الهواء مباشرة من خلال التليفزيون، عاد لينقض تلك الفتوى بفتوى أخرى تخالفها تماما على الهواء مباشرة أيضا ولكن من خلال الإذاعة هذه المرة.
جاءت الفتوى الثانية ردا على سؤال لأحد مستمعي إذاعة القرآن الكريم المصرية واسعة الإنتشار حول موضوع إمامة النساء للرجال وقيام المرأة بالقاء خطبة الجمعة بل والأذان أيضا، وكان رد الدكتور علي جمعة قاطعا شديد اللهجة بأن هذا لا يجوز أبدا وأن صلاة المرأة باطلة وكذلك صلاة من أمتهم وأنهم بما فعلوا أنكروا معلوما من الدين بالضرورة وابتدعوا في الدين الإسلامي ما ليس فيه.
وكان المفتي قد قال في فتواه الأولى رأيا مخالفا لذلك نصه "إن الأمر في مثل تلك الحالات الخلافية -يقصد إمامة النساء للرجال- يكون مرجعه لأهل الشأن، فإذا ما قبلوا أن تؤمهم امرأة فهذا شأنهم ولا حرج عليهم طالما لا يخالف ذلك ما تعارفوا عليه، وإذا ما رفضوا فهذا شأنهم أيضا وهو ما يسير عليه الناس في معظم البلاد الإسلامية ومنها مصر التي لا يتوقع أن يحدث فيها مثل هذا الأمر لأنه يتنافى مع تفكير وأعراف الناس وما اعتادوا عليه طوال حياتهم".
واستدل الدكتور جمعة في فتواه الثانية بعدد من نصوص السنة واضحة الدلالة حسب قوله، مثل حديث {صلوا كما رأيتموني أصلي} وحديث {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ}، مشيرا إلى أنه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمر أحدا من النساء بامامة الرجال أو سمع على عهده أو عهد أيا من خلفائه أو صحابته بشيء من هذا.
وأضاف المفتي في معرض حديثه عن أسباب عدم جواز إمامة النساء أن الله خلق الرجل والمرأة وأعطى لكل تكليفات محددة وجعل كلا منهما مسئولا عن تلك التكليفات، أما ما يثار حاليا مما يسمى المساواة بين المرأة والرجل فهو ليس من العدل في شيء لأنه لو حدث لظلمت المرأة قبل الرجل لأن تلك المساواة ستكلفها ما لا تطيق، وعلى هذا فإن إمامة النساء أمر باطل مبتدع لا تقره الشريعة.
وحتى يفصل مفتي مصر في اللغط الذي وقع عقب فتواه الأولى قال إن عددا من الأئمة قالوا بجواز الأمر بالفعل استنادا إلى حديث أم ورقة التي زارها الرسول صلى الله عليه وسلم في بيتها وقال لها "صلي بأهل دارك" فأخذوا من ذلك أن أهل الدار قد يكون فيهم الرجال وهو ما يعني الإجازة، لكنه أضاف أن جمهور العلماء ردوا عليهم الأمر في حينها بأن أم ورقة لم يكن في بيتها رجال وأن الرسول (ص) كان يعلم ذلك جيدا لذا سمح لها بالصلاة بنساء بيتها.
وقال الشيخ علي جمعة إن عدم جواز صلاة المرأة بالرجال لا ينتقص من قدرها كما قد يصور البعض، كما أن من يتخذون من حديث {لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} وسيلة لمنع المرأة من تولي أمور القيادة مخطئون لأن الحديث خاص بحالة معينة لا يجوز تطبيقها على العموم، وهي واقعة تمزيق ابنة كسرى ملك الفرس لرسالة بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها يدعوها فيها للإسلام واعتدائها على حامل الرسالة، فكان كلام الرسول ردا على تلك الواقعة