جاء في الأثر أن الناس في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - جاءوا إليه وقالوا :
نشتكي إليك غلاء اللحم فسعره لنا ،فقال: أرخصوه أنتم ؟ فقالوا :نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة فتقول :أرخصوه أنتم ؟ وهل نملكه حتى نرخصه ؟وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا ؟ فقال قولته الرائعة :اتركوه لهم..
وتذكر كتب التاريخ أنه " قيل لإبراهيم بن أدهم: إن اللحم قد غلا !!.
فقال: أرخصوه أي: لا تشتروه وأنشد في ذلك:
وإذا غلا شيء عليَّ تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
إن عمر رضي الله عنه يرسم لنا نظرية اقتصادية بسيطة ولكنها عظيمة الأثر ، كبيرة النفع ، وهي الموازنة بين الطلب والعرض ،فمن المعلوم أنه عندما تحدث زيادة في الطلب على سلعة ما ؛ فإن الأسعار ترتفع تبعاً لذلك مما يؤدي إلى تراجع الناس عن الشراء فيحدث توازن بين الطلب والعرض ، فزيادة الأسعار أدت إلى خفض زيادة الطلب . وبالعكس إذا كان الطلب أدنى من العرض , فإن الباعة يتوجهون إلى خفض أسعارهم ، عندئذ تختفي زيادة العرض .
فهل نعمل بوصية عمر رضي الله عنه للتغلب على لهيب الأسعار الذي أحرق أموال الكثيرين منا , خاصة وأننا غير مطالبين بالتخلي عن بعض السلع الحيوية كاللحم ؛ فقائمتنا تحوي الكثير من البذخ والترف الذي يثقل كواهل جيوبنا ، وبقليل من العزم والإرادة والتفكير السليم نستطيع توفير الكثير من أموالنا التي ينتهي بها المطاف في كثير من الأحيان إلى جيوب أعدائنا .
ولو ألقينا نظرة خاطفة على بعض الإحصاءات في دولنا لأصبنا بالذهول من حجم الإنفاق الرهيب ليس على الضرورات والحاجات فحسب بل على كماليات الكماليات ؛ تذكر بعض الإحصاءات ، أن نساء السعودية استهلكن في عام واحد:أكثر من 548 طنا من أحمر الشفاه ، وأكثر من 39 طنا من طلاء الأظافر ، وأكثر من 31 طنا من مزيلات الطلاء ، وأكثر من220 طنا من مسحوق تجميل العيون ، وأكثر من345 طنا من مواد صبغة الشعر وأنه أنفق في السعودية من 1200 - 1500 مليون ريال على العطور في حول واحد . ولاشك أن هذه الإحصاءات تشير إلى آفة عظيمة ، ومصيبة عميمة ، وطامة أليمة ، ألا وهي الترف والإسراف .
بل إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يطرح بين أيدينا نظرية أخرى في مكافحة الغلاء وهي إرخاص السلعة عبر إبدالها بسلعة أخرى ؛ فقد جاء في تاريخ يحي بن معين : ( قال: حدثنا القاسم بن مالك عن يوسف بن دراقس قال : حدثني مغيرة بن عطية عن رزين بن الأعرج مولى لآل العباس قال : غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلى على بن أبى طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا , فكتب أن أرخصوه بالتمر ) أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص . وإن لم يرخص فالتمر خير بديل .
والقاصي والداني يعرف ما حصل لبعض البضائع الدنمركية عندما قاطعها الناس واستبدلوها بسلع أخرى كيف تهاوت أسعارها بشكل كبير حتى وصلت إلى النصف تقريبا .
فهل نبادر إلى تغير سياستنا في إدارة أموالنا التي جعل الله لنا قياما بما يتوافق مع التحديات التي تصبحنا وتمسينا ، وهل ننبذ العشوائية والفوضوية والسطحية في التعامل مع يواجهنا من نوازل ومشكلات ، وهل نوقن بأن النعم لا تدوم .
اللبيب بالإشارة يفهم
والله يا اخوان لو تكاتفنا لرخصت السلع
بمجرد مقاطعة لعدة اسابيع .