جريدة الرياض . الجمعة 21/7/1426هـ
د. سعود العبدالله
لقد صدر أخيراً قرار حكومي بالحد من رواتب موظفي الهيئات
والمؤسسات العامة والصناديق الحكومية، وذلك بربط رواتبهم ومخصصاتهم
إلى نظام الخدمة المدنية. ونشر ذلك في الصحف بتاريخ 28/4/1426هـ
وحيث أن الدولة وفقها الله كانت تهدف من انشاء هيئة السياحة وهيئة
الاستثمار وهيئة الاتصالات والهيئة الملكية بالجبيل ينبع وهيئة
الكهرباء والمؤسسة العامة للبريد وصناديق الاقراض مثل صندوق تنمية
الموارد البشرية وغيرها هو دفع عملية التنمية للامام، وذلك باعطاء
هذه الهيئات والمؤسسات العامة والصناديق الاستقلال المالي والإداري
بموجب أنظمتها وصلاحيات لوضع جداول الرواتب الخاصة بهم حتى يستطيعوا
توظيف الكفاءات البشرية اللازمة لتنفيذ اختصاصاتها وتوسيع قاعدة
التوظيف في القطاع الخاص عن طريق عمل ونشاطات هذه الهيئات
والمؤسسات والصناديق في تشجيع اقامة المشروعات الصناعية وصناعة
الخدمات، وقد أحدثت هذه الهيئات والمؤسسات العامة والصناديق بناءً
على خطة الحكومة والتطوير الإداري عن طريق اللجنة الوزارية للتنظيم
الإداري تقدماً ملموساً في دفع عجلة التقدم الإداري وكانت من أنجع
وأنجح الخطوات التي قادت مسيرة التقدم والخطط التنموية إلى الامام،
وحيث انه كان من المفروض رقابة أداء هذه الهيئات والمؤسسات العامة
والصناديق بحيث لا تخرج عما اقترحت أنظمتها وذلك عن طريق ديوان
المراقبة العامة، إلا أن الذي حصل هو صدور هذا القرار، والذي أثر
سلباً في تراجع في الإدارة الحكومية بدلاً من التطوير الإداري، وحيث أن
لكل قرار ايجابيات وسلبيات فانني أتطرق هنا للحديث عن ايجابيات
ذلك القرار وسلبياته من جميع النواحي ما استطعت ذلك.. قد يكون من
ايجابيات ذلك القرار تواجد تلك الهيئات تحت لائحة موحدة يسهل
تطبيقها أو ادراج أي هيئة أو مؤسسة عامة محدثة تحت سقفها، كما أن
ايجابيات ذلك القرار هو تقليص الفارق بين موظفي تلك الهيئات وبين
موظفي الخدمة المدنية وذلك اقراراً لمبدأ العدل والمساواة بين موظفي
الدولة، كذلك لا نغفل أن ذلك القرارسيؤدي بالوفر إلى الدولة حيث أن
رواتب موظفي تلك الهيئات والمؤسسات العامة ستخفض وبالتالي سيكون هناك وفر ملموس جراء ذلك التخفيض، كما انه يسهل مراقبة تلك الهيئات مالياً بعد اقرار تلك اللائحة.
وأما سلبيات ذلك القرار فهي كثيرة جداً لا يصعب حصرها:
اولاً: انه وان كان ثمة وفر سيوفره ذلك القرار إلا أن نتائج هذا القرار الاقتصادية العكسية ستكون عالية جداً بل وستسبب هزة اقتصادية على المدى البعيد، كيف يكون ذلك؟ أن تلك الهيئات والمؤسسات العامة والتي غالباً ما تكون مشرفة على قطاع معين يندرج تحت شركات ومؤسسات خاصة، وما تضمه تلك الهيئات والمؤسسات العامة من موظفين ذوي خبرات وكفاءات عالية جداً، وتتنافس أغلب الشركات على استقطابهم، سوف يتسربون إلى تلك الشركات الخاصة وبرواتب مجزية ومغرية في نفس الوقت، ولا أخال عاقلاً يتجاهل أثر ذلك التسرب من موظفين يعلمون بأسرار تلك الجهة التي خرجوا منها إلى شركات تتعامل مع تلك الجهة.
ثانياً: من المعلوم أن الأجر مقابل العمل وأن العامل يعمل بقدر الأجر الذي يتقاضاه، ولا أعلم كيف سيكون انتاج ذلك الموظف الذي خصم من راتبه أكثر من 60٪ من راتبه جراء ذلك القرار، الأمر الذي سيؤدي بصفة طردية على إنتاج تلك الهيئة أو المؤسسة التي يعمل بها، والتي تؤدي في الأخير نتاجها إلى خزينة الدولة، ونكون هنا خفضنا الرواتب من هنا وقللنا الإنتاج من جهة اخرى، ولا شك أن قلة الإنتاج أكبر بكثير من ناحية الأثر من الوفر الذي سيحصل جراء ذلك القرار.
ثالثاً: إن ذلك القرار ينافي سياسة الخصخصة التي انتهجتها الدولة مؤخراً والتي كان لها أكبر الأثر على تحسن بعض القطاعات الهامة مثل قطاع الاتصالات والكهرباء والصناعة عموماً.
رابعاً: يجب أن نراعي حال موظفي تلك الهيئات والمؤسسات العامة والذين بنوا حياتهم على سقف معين، بل إن أغلبهم اقترضوا قروضاً طويلة الأجل تصل إلى أكثر من عشرين سنة لشراء بيت العمر بناءً على ذلك الراتب والذي سينقص بمقدار النصف عند بعضهم، كيف سيكون حاله؟ كما أن هناك موظفين كانوا موظفين في شركات خاصة وقد استقطبتهم تلك الهيئات والمؤسسات العامة بناءً على كادرها الوظيفي الخاص وبعد صدور هذا القرار نكون قد افقدناه ميزة تلك الجهة التابع لها، ووظيفته السابقة.
خامساً: أن ذلك القرار سيفقد الثقة في الوظيفة الحكومية، والأمان الوظيفي الذي كان أهم ميزات الوظيفة الحكومية.
سادساً: إن اقرار هذا القرار ينافي ما تسعى اليه المملكة العربية السعودية من انضمام لمنظمة التجارة العالمية وسعيها الحثيث نحو التقدم، والاستفادة من تحويل مؤسسات الدولة العامة إلى القطاع الخاص والذي اثبتت التجارب أن القطاع الخاص أقدر وأنفع للدولة في إدارة مؤسساتها، ولا أوضح من نجاح الدولة وفقها الله في خصخصة قطاع الاتصالات التي تديره هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.
أخيراً أتمنى من المسؤولين اعادة النظر في ذلك القرار ودراسته بنظرة بعيدة المدى والموازنة بين السلبيات والايجابيات المترتبة عليه، الأمر الذي سيعود بالنفع على بلدنا الحبيب المملكة العربية السعودية والله الموفق.