معنى التسامح
د. عزيزة المانع
من التيارات الفكرية التي أخذت تطل برأسها في الآونة الأخيرة القول بالتسامح, ليس بمعنى قبول الاختلاف الفكري وإنما بمعنى الرضا بالدونية وتجاهل الإساءات, أو حسب ما نقول في عاميتنا (التطنيش).
وهذا الأسلوب قد يصلح في بعض الحالات البسيطة التي لا تحمل دلالات أبعد وأعمق مما تدل عليه ظاهرياً, لكني لا أراه يصلح في كل الحالات وكل المواقف. لأنه أحياناً يجرئ المسيء على التمادي عندما لا يجد من يصده ويردعه.
القارئ سهيل أبوالعز هو واحد من أولئك الذين يفضلون التطنيش أمام الإساءات, ولا أدري إن كان هذا مبدؤه في التعامل مع كل إساءة تقع عليه, أم هو مبدأ يقتصر على الإساءات التي تقع على العموم وليس عليه شخصياً? هو يلوم أولئك الذين دعوا وأيدوا مقاطعة المنتجات الدنماركية على إثر الموقف المستهزئ الذي اتخذته بعض الصحف الأوروبية من الدين الإسلامي, وحجته التخوف من أن ينتج عن تلك المقاطعة إغضاب أوروبا ومن ثم تتضامن مع الدنمارك فتشن علينا حرباً اقتصادية. وفي الوقت نفسه هو يبرر تصرف أولئك الساخرين بأنه ليس توجهاً خاصاً ضد المسلمين وحدهم فقد سبق لهم أن أساءوا إلى المسيح عليه السلام, رغم أنهم مسيحيون, لكن المسيحيين تلقوا ذلك بهدوء فمرت المسألة وكأن شيئاً لم يكن. وفي ختام رسالته يحيلني إلى تفسير الآية (140) من سورة النساء وإلى سورة الفيل. تأكيداً منه على أن المسلمين مأمورون بتجاهل مثل هذا الحدث وعليهم أن يتركوه يمر بسلام.
وهذا الرأي الذي ينادي به سهيل ليس وحيداً فيه, فهناك غيره يؤيدونه في هذا التوجه, ومن حقه أن يختار لنفسه ما يحب من المواقف, وأن يعتنق ما يعجبه من الأفكار, وأن يفهم تفسير الآية التي أشار إليها حسب ما يشاء. أما أنا فإن لي موقفاً مختلفاً وفهماً آخر للآية. فالآية الكريمة التي نصها: }وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا|, إن كان هو قد فهمها على أنها تتضمن الحث على تجاهل الإساءة والتعامل معها كأنها لم تقع. فإني أفهمها على أنها تتضمن الحث على إبداء الاحتجاج وعدم الرضا والمبادرة إلى مقاطعة المجلس الذي يساء فيه إلى الدين, وهو ما أجده يتمثل في مقاطعة التعامل الاقتصادي الشعبي مع الدنمارك.