الحرب والمتفجرات لم توقفا سعاة البريد عن أداء عملهم في العراق
ربما يكون من المدهش حقاً ان يواصل العراقيون تسلم البريد في بلد يعاني على نحو دائم من انقطاع خدمات الكهرباء ويعيش حالة من الانفلات الأمني وصعوبة في حركة السير لقلة الاشارات الضوئية، وتبدو البلاد في وضع عدائي فالقطار الذي يحمل البلاد للشمال يتعرض مراراً لاعتداءات كما انه يتعين اعادة طلاء شاحنات امريكية برتقالية ساطعة باللون الاسود لضمان سلامة عبورها في مناطق خطرة جنوب بغداد حيث يجاهد سعاة البريد لتسليم الخطابات في حي الدورة ببغداد والذي يشهد شللاً في الحياة بفعل اعمال العنف حيث تبقى فيه جثث الضحايا ملقية على قارعة الطريق لساعات فضلاً عن عدم وجود صناديق بريد ولذلك فإنه يجب على ساعي البريد ان يقوم بتسليم البريد شخصياً الى المرسل اليه وليس الى عنوانه وهذه مهمة اضحت معقدة للغاية في اوضاع مضطربة منذ ثلاث سنوات. وبالرغم من هذه الظروف والاوضاع الصعبة للغاية فإن سعاة البريد لا يزالون يعملون ستة ايام في الاسبوع في 349 مكتباً للبريد في كافة ارجاء العراق حيث يسلمون باليد آلاف الخطابات للمرسلة اليهم تحمل التحايا والأماني الطيبة وتدخل البهجة في النفوس. وقال ساعي البريد في الدورة ابراهيم اسماعيل زيدان انه شيء رائع جداً ان تحصل على بريد فكل شيء فيه من الورق الى الظرف وطابعة البريد يعتبر شيئاً مبهجاً. واصبحت طوابع بريد حقبة صدام حسين في ذمة التاريخ حيث ظهرت الآن انواع عديدة من الطوابع الملونة الجديدة والمبهجة تحمل بعضها صور وسائل النقل العراقية المختلفة بما فيها الطوف او الرمث وهي الاخشاب التي تشهد الى بعضها وتستعمل في ركوب مياه النهر وكذلك الخيل والعربات والزوارق الطويلة الضيقة المليئة بالاعشاب وغيرها من مناظر خلابة. وحصل سعاة البريد بعد الغزو الامريكي للعراق على دراجات نارية لمساعدتهم في سرعة توصيل البريد حيث تشاهد هذه الدراجات مليئة بالبريد طيلة ايام الاسبوع ما عدا يوم الجمعة ويتم شحن الدراجات بالبريد في مراكز توزيع البريد وينطلق سعاة البريد لاداء عملهم بجد واجتهاد معجبين بدرجاتهم النارية. وتعطي خدمات البريد دليلاً على عودة الحياة الى طبيعتها تدريجياً ففي عام 2003 وقبل الغزو الامريكي ارسل العراقيون 148 طناً من البريد وفي عام 2003 الذي شهد غزو البلاد انخفض ذلك الرقم الى 37 طنا فقط غير انه بدأ في التزايد بشكل مطرد منذ ذلك الوقت حيث ارسل العراقيون 43 طن بريد في عام 2004 و 53 طنا في العام الماضي طبقاً لاحصاءات مكتب البريد. وكانت خدمات البريد العراقية قد تعرضت لاضرار كبيرة عقب الغزو الامريكي حيث تعرضت الكثير من فروعه إلى الدمار والنهب وسرقة سياراته بل إن بعض الفروع جردت تماما من محتوياتها حتى النوافذ والأرفف وغيرها من تجهيزات.
ولجأ المسؤولون في خدمات البريد الى اتخاذ مواقع موحدة ومندمجة مع بعضها لضمان استمرار هذه الخدمة الحيوية ففي احدى الأحياء بالعاصمة يتم القيام بالخدمة البريدية من غرفتين في مستشفى وكذلك من مكتب خارج وزارة الداخلية وعلق مدير خدمات البريد المخضرم ابراهيم حسين علي والذي عمل أربعين سنة في البريد بقوله إن هذه أماكن غريبة للقيام بخدمات البريد منها غير انه يجب علينا القيام بأعمالنا.
ومن أكثر المشاكل التي تواجه خدمات البريد كيفية العثور على المرسل إليهم خاصة وأن العاصمة بغداد شهدت تغيرات كبيرة في عناوين سكانها سواء برحيل اسر عنها او لجوء قرويين فقراء للعيش في العاصمة. ففي الكرادة قال ساعي البريد خليل ابراهيم بأنه قضى أياما عديدة في البحث عن أحد المستفيدين من خدمات البريد واضطر الى سؤال الجيران وأصحاب البقالات عن مكانه مضيفا انه بسبب انقطاع الكهرباء فإن يندر أن تعمل أجراس ابواب المنازل مما اضطره الى حمل قطعة معدنية صغيرة للقرع بها بشدة على الأبواب عليه يجد من يستجيب له وقال إن قرعه على الأبواب يثير فزع سكان المنزل في بعض الأوقات. وقال مدير مكتب بريد بغداد المركزي خاتم سيد علوان انه يقوم شخصيا بنقل البريد جنوبا عبر طريق خطر الى حي بابل مضيفا بأن تسليم البريد في حي الدورة يعتبر بحق معركة يومية، ومضى علوان متذكرا بأنه حدث ان أوقف مسلحون سيارة للبريد قادمة من الأردن معتقدين بأنها متجهة الى وزارة الدفاع مما جعل السائق يتوسل لهم موضحا بأنه يحمل بريد عادي الى أناس عاديين. وقال ساعي بريد يعمل في الدورة بأنه حدث أن شاهد ذات مرة أربعة جثث ملقاة في الطرقات فعرف انه في منطقة يدور فيها اشتباك فكان يتعين عليه أن يأخذ حذره.
ويتحول الآن أعداد متزايدة من العراقيين لاستخدام الإنترنت في التواصل مع أقربائهم ومعارفهم غير أن معظم العراقيين لا يزالون يستخدمون خدمات البريد في التواصل بينهم