[frame="7 80"]دائما ما كان الببغاء بالنسبة لي .. طائر عجيب ومثير .. فـقد كنت في صغري أتمنى ولو الإقتراب من هذا الطائر الجميل الذكي .. كما يقال عنه.. وكنت أتمنى أمتلك ولو واحدا لأختبره عن قرب
وقـد حدث ذات يوم و لـشدة إعجابي به.. حيث كنت طالبا على مقاعد الدرس
أن حملت ببغاء في قفصه إلى داري .. بعد أن أغراني أحد الأصدقاء بذلك.. وقد أعطاني أسبوعا لكي أجربة وأعتني به.. لقد ظل الطائر طـوال هذه الفترة وبرغم دلالي الزائد له وثرثرتي المفرطة معه.. صامتا .. شاربا .. أكلا.. إلى درجة أثارتي .. وحتى في أثناء ما كنت أدربه على النطق..
كان يتمتم أحيانا .. ولم أكن أفهم ما يقول.. وبالطبع كنت أحاول أعلمة على التلفظ بعبارات لائقة.. مثل: السلام عليكم .. ومرحبا .. وحياك الله.. وشكرا.. الـخ ..!!
ويوم بعد أخر.. حتى إكتشفت مدى مايتمتع به هـذا الطائر الذكي من غـباء .. ومدى الوهم الذي أوهمني به الآخرين .. خلال قصصهم المزعومة عنه..
ومدى الصبر الذي يلزمني ..لكي يتلطف علي بإشارة .. أو بحركة تكسر شعوري بـالوحدة
ثم بدأت أتضجـر..وخاصة بعد أن مددت فترة إقامته عندي إسبوعا أخر.. فقد كان كل مابذلت من جهد .. في تدريبة يذهب هباءا منثورا .. هو أشبه ما يكون بمحاولة إفهام من لا يفهم.. فهو لايفهم إلا مع كل ماهو مكربن ومكرر ومتشابة .. وهذا لم يكن يروق لي أبدا.. فحملتة عائدا به إلى صاحبي.. ومقدرا له إتاحة الفرصة لي لإختبار هذه التجربة عن قرب..
وعلى الرغم من إدراكي إن عملية تدريبه تحتاج إلى طولة بال .. وصبر .. وتفهم .. وتفرغ تام ..ولم أكـن مهتم .. بهذا الأمر في ذلك الحين ..
وكثيرا .. ما ..ألمـح أمامي صورة ذاك الببغاء.. تمر أمامي كشريط سنمائي
وخصوصا أثناء ما أقلب بعض الفضائيات العربية بحثا عن شيئا قد يفرحني..
فالواقـع أصبح مؤلم جدا ..ومحبط بلاشك.. ولـكن تبقى دائما هناك فسحة من الأمل
وضرورية حيث أرى الظلام يعـم ..ويكتسح كل شيء هنا وهناك.. لأنه الروح كلما أظلمت..كلما أقفر الكون
ويستطيع الإعلام أن يبني الثقة و التفاؤل والأمل في نفوس الناس.. وذلك عن طريق إبراز ماهو نقيض.. وشحن الوعي بين الناس.. بأسلوب الخروج من الأنفاق المظلمة المحزنة .. للخروج من الإكتئاب .. بدل من شحنهم بالإنفعالات والتوترات
فبكل تأكيد أنا لا أقصد هنا بناء .. الفرح الوهمي.. بل أقصد .. الوعي بما يجري..
الوعي الذي يؤسس العمل .. ويسير ببهم نحو الإنجاز ..والبحث وراء تحقيق ما يؤمن به الناس..
وتماما كما ذكر محمود درويش من قبل .. عن الليل الزائل ..
و عن حبوب السنبلة التي ستجف ..ولكن سوف تملأ الوادي كله سنابل!
وهذا بدل من أن يظل الإنسان العربي .. كما الببغاء .. مهمته الرئيسية الكربون .. النقل التكرار الترداد فقط.. فأصبح يعيد ويزيد الخبر المؤلم شديد الصلة بحياته اليومية.. كما لو كان يتحدث عن أحدا فوق سطح القمر ..!!
وأخـيرأ ..
قد يكون هذا الببغاء جميل ..ومثيرا للإهتمام أحيانا .. وجذابا أحيانا أخرى .. لـكن لم يعد اليوم هذا الببغاء قادرا ..لا مسليا ولا نافعا .. في عالم أصبح اليوم .. متحرك مبتكر.. يسير بخطوات متسارعة نحو تحقيق .. المزيد من الإبتكارات والإختراعات و الانتصارات على مستوى الأفراد والشعوب.. وفي عصر الإبداع.. وحيث لا مكان إلا لما هو إبداع ..
فلا مكان اليوم.. للكربون ولما هو .. ثابت بلاحراك .. ومتشابه.. و مكرر.. !!
تحياتي وتقديري[/frame]